الخميس، 22 نوفمبر 2012

العقل والروح في الفلسفة الشرقية ... كيف علينا إدراكها



العقل والروح في الفلسفة الشرقية ... كيف علينا إدراكها

 
العقل والروح في الفلسفة الشرقية ... كيف علينا إدراكها ؟؟
العقل يُقصدُ به الإدراك ، بينما يَقصُد اليوغيون بهِ المادةَ التي تُدرِك
يقول اليوغيونَ أن ( شيتا ) جوهر العقل موجودٌة في كل مكانٍ في الكَون ، وأن كميّتها ثابتةٌ لا تَزيدُ ولا تَنقص ولا تتغير، وإن كانت كالمادةِ والطاقة ، تَظهرُ في مظاهرَ مُتعدِدة ، نتيجةَ وجودِ مُركباتٍ جديدةٍ بِنسبٍ مختلفةٍ منه ، وأنّ جوهرَ العقلِ هو أوّلُ مظاهرَ الُمطلَق ومنه تَكوّنَت الطاقة ومن الطاقة تكوّنَت المادة
جوهرُ العقلِ يتشابهُ معَ الطاقة ، وهو بالنسبةِ إلى الطاقةِ كالطاقةِ بالنسبةِ إلى المادة ، ففي الأطوارٍ العليا ، تكادُ صفةُ المادة أن تكون من مميزات الطاقة ، فمثلاً المغناطيسية أو الكهرباء ، تجدُ أن المادة والطاقة تَتّحدانِ اتحاداً يثيرُ الاهتمام ، حتى تبدوَ الطاقةُ وكأنها شيءٌ يمكن أن يُقطعَ بسكين ، وكذلكَ نجدُ الكهرباءَ في صِورها اللطيفةِ العليا ، ذاتَ طاقةٍ ومقدرةٍ توحي للإنسانِ أنها تَكادُ أن تَعقِل ، لِشِدةِ ما تقتربُ من الحدّ الفاصلِ بين الطاقةِ والعَقل ، 
إن عِلم الطبيعةِ سيكتشفُ في أعوامٍ قلائل ، أنواعاً أخرى من الطاقةِ تقدِّمُ أمثلةً جديدةً من أمثلةِ التفكيرِ أو العَملِ الُمتَعَقّل ، من أي شيءٍ معروف ، وسَتُسبّبُ الاختراعاتُ التي ستأتي في أعقابِ اكتشافِ الراديوم ، تطوراً في محيطِ الطبيعةِ يَهِزُّ الإنسان هزاً ، فإن العلمَ يكادُ يقفُ على الحدّ الفاصِلِ بينَ المادةِ والعقل ، سَيُنظَرُ إليهما في القريبِ العاجل ، على أنهمُا شيءٌ واحد ، والطاقةُ كمركزٍ متوسطٍ بينهما 
يجب أن نُسَلّم بوجودِ جوهرِ العقلِ كما نَسَلِّمُ بوجودِ الطاقةِ والمادةِ على الأساسِ النظري ، لأن هذهِ المظاهرِ الثلاثة ، لا يمكن أن تُعرَف إلا عن طريقِ آثارِها الظاهرية ، فالأثيرُ وهو أعلى أشكالِ المادة ، لا تُدركهُ الحواسُ عندَ الإنسان ، إلا إذا تألّفَت من ذَراتهِ الأجسامَ الصلبةَ أو السائلةَ أو الغازية ، كذلك الطاقةُ المجرَّدة ، لا سبيلَ إلى إظهارِها لعقلِ الإنسان ، إلا إذا ظَهرت آثارها عن طريقِ المادةِ في صورةِ الحركةِ أو القوة ، وهكذا جوهرُ العقل ، لا سبيلَ إلى معرفتهِ إلا على أنّه أفكارٌ أو قوةَ الفكر ، 
المادة هي الشيءُ الذي تَتَّشحُ بهِ النفسُ لتظهرَ به ، والطاقةُ هي الشيء الذي تَستعملهُ النَّفس لتعملَ بواسطته ، وجوهرُ العقلِ هو أداةَ النفسِ التي تُفكِّرُ بها 
جوهرُ العقلِ هو الشيءُ الذي تتولدُ منهُ الطاقةِ التي تَتَسبّب في حركةِ المادة 
نظريةَ اليوغيين تقول :
أنّ ذرةَ المادةِ دوامةٌ صغيرةٌ من الأثيرِ في الأثير ، تتكون من فعلِ الطاقةِ في الأثير ، ولّما كان الأثيرُ مُجرّداً من الاحتكاك ، فإنَ حلقةَ الدوامةِ لا تفقِد شيئاً من قوتها ، وبذلك تُصبح حركتها دائمة ، وإن كانَ دواماً غيرُ أبديٍ بالنسبةِ لدوامِ الُمطلَق ، وهي تتمتعُ بكلِ ما يُنسَبُ للمادةِ من خواص ، في الطولِ والعرضِ والارتفاعِ والكميةِ والمرونةٍ والجاذبيةٍ والحيِّزِ والتَّمدُد …الخ ، كما أنّ لها حركتُها الداخلية ( الذبذبة ) ، هذه الدوامات أو الحلقات تختلفُ في أحجامها وسرعة ذبذباتها ، وهذه الحقيقةُ هي السببُ في وجودِ الأنواعِ المختلفةِ من الذّراتِ التي حَيرّت العلم ، وهي تُلقي ضوءاً على العناصرِ السبعين من عناصرِ المادةِ التي فَرضَت نفسها على عُلماء الطبيعة ، وأنه لَمِنَ المستطاعِ أن نرى بوضوح ، أنه إذا أمكنَ تغييرُ سرعةِ ذبذباتِ هذه الدوامات ، تَحَققَ حُلمَ الكيميائيينَ القُدامى بتحويلِ مادةٍ إلى مادة ، وأمكنَ تحويلُ الرصاصِ إلى ذَهب ، 
اليوغا تقول بأن مادةَ العقل ، تَعرفُ نَقسها وتُظهرُ معرفتِها لنفسِها بالفكر ، وهذا الفكرُ حركةً في جوهرِ العقل ، والحركةُ كما نَعلم ، مَظهرٌ من مَظاهرِ العقلَ ومُنبثقةً عنه ، وهذه الحركةُ تنتقلُ إلى الأثير ، فينشأ من ذلك حركةَ الحلقةِ الُمفرغة ، وهكذا تنشأ الذرّةَ أصلِ المادة ، وفيها العقلُ والطاقةُ والحركة .
إن الأثيرَ بعد أن ينبثق عن جوهرِ العقلِ بفعلِ الطاقة ، بكونُ فيهِ صفاتِ أبيه وجدّهِ بالوراثةِ التي يملكُ حقَّ استعمالها ، ولذلك فهو يُفكرُ في الحركة ، والحركةُ توجِدُ حلقةَ الذرةِ لتتمكنَ من الظُهور ، لتجعلَ المادةَ حائزةً للعقلِ والقدرةِ على الحركة ، ، فالمادةُ كما نُدركها بحواسِّنا ، نتيجةَ الفِكر ، والفِكرُ هو العقلُ في حالةِ العمل ، والعملُ وليدُ الطاقة ، والطاقةُ ثمرةَ جوهرِ العقل ، إذن فإن المادةَ في الحقيقة ، هي العقل … والعقلُ هو كلُّ شيء ، فكل شيء في الدُنيا أصلهُ الفكر ، فالمادةُ والعقلُ كِليهِما مخلوقان ، وإنهما مظهرانِ للمُطلَق الذي لا وجودَ لغيرهِ إلا به 
عندما يصلُ الباحثُ إلى درجةٍ عُليا من النُمو الروحي ، يجدُ نفسهُ عارفاً بغير جهدٍ عقليٍ يبذلهُ في سبيلِ هذهِ المعرفة ، هذه المعرفة لا يستطيع أن يُدركَ كُنهها، من يعيشونَ في محيطِ القوةِ العاقلةِ العادية ، ولكن الذين أشرَقَت أنوار الروحِ عليهِم ، يعلمون أنها نوعٌ من الإدراك أسمى من إدراكِ العقل ، إنها تَفوقهُ ولكن لا تَتَعارضَ معه ، وكثيرٌ مما بدأ العقل الغربي يدركهُ الآن ، شيءٌ مقررٌ لدى أصحابِ الوعيِ الروحيِ منذُ أمدٍ بعيد 
إنّ عقلَ الإنسانِ أو قوتهِ العاقِلة ، لَفيها أسرارُ الكونِ كُلِّها …
إن العقلَ يدركُ نَفسهُ وما يليهِ من طاقةٍ ومادة ، أما ما يحيطُ به ويسمو عليه ، فإن معرفتهُ وإدراكهُ يقفانِ عندَ الُمطلَق ، لكن الروح ، ذلكَ المبدأ الإلهي ، ذلكَ النورُ الذي يُشرقُ على العقل ، تلك البِضعَةَ من روحِ الله ، النفسُ الحقيقيةُ العليا ، فإنها تعلمُ أنها تعرفُ الُمطلَق وما عندَ الُمطلَق ، وعندما تنحسرُ عن الإنسانٍ الحجُبَ جميعها ، بما فيها العقل الروحيُ نفسُه ، وحين لا يبقى من الإنسانِ إلا روحه ، عندها يُدركُ الإنسانُ بقوّتها كلّ شيء ، وعندها لا يكونُ الإنسانُ إنساناً ، إنه لم يعد بعدُ إنساناً ، إذ يُصبحُ روحاً عادَت إلى بارئها .
مادةُ الُمخِ ما هي إلا الأجهزةَ الماديةَ التي يستعملها جوهرُ العقل ليظهرَ عن طريقها . أما جوهر العقل فهو نوعٌ رفيعٌ من الطاقة ، وهو كالطاقة نفسها ، يظلُ سلبياً ساكناً بلا حركة ، إنه لا يتحرّك إلا إذا تكونت الأفكار فيه ، فيتّحد عندئذ بالحركة 
عقل كل فردٍ يبدو كأنه قدرٌ معينٌ من جوهر العقل ، منفصلٌ عن سائر جوهر العقل ، إلا أنّ الحقيقة أن كل العقول متصلةً ببعضها البعض ، وأنها جميعاً متصلةً بجوهر العقل ، بالعقل العام التي هي جزءٌ منه ، إن جوهر العقل لا ينفصلُ عن بعضه ، بوجودهِ مجزءاً في الأفراد ، أكثر مما ينفصل الأثيرُ عن بعضهِ في الأجسام المنفصلةِ المتباعدة ، أو كالطاقة إذا ظهرت مقسمةً في حركاتِ الأفعالِ المتباينة ، كذلك لا يوجد شيءٌ ميت في الكون ، لأن الكونَ حيٌ جميعه ، لأن كل ذرةٍ في الكون فيها مادةٌ وطاقةٌ وعقل ( جوهر العقل ) فالكون حيٌ متحرك ، عاقلٌ من الذّرةِ إلى الشمس ، وإنِ اختلفَ الفكرُ بين الإحساسِ الغامضِ حتى التجاذبَ والتنافرَ الكيميائي في أبسط أشكاله ، والمجهودُ الفكريُ في الإنسان وفي الكائناتِ الأرفعِ من الإنسان .
علم النفس والكيمياء / لفرويد وإدلر ويونغ : قرّرَ أن العقل اللاواعي / العقلَ الباطن في الإنسان ، مَتّصلٌ ببعضهِ كالمياهِ الجوفية ، تَتَصلُ بِبعضها ، وإن بَدى كلُ بئرٍ ارتوازيٍ مستقلاً عن الآخر .
أتمان أو الروح : 
العقلُ الكليُ ليسَ هوَ المطلق ، إنه منبثقٌ عنه ، وهو يعرف قَطعاً ويقيناً أن المطلقَ موجود ، لأنه يعلمُ حدودَ نَفسِه ، ويعلم أن المطلق وراءَ تلك الحدود ، وأنه بهِ محيط ، وأن هناكَ ما لا يدركهُ العقل ، لا على أنهُ لم يَصِل إليه بَعد ، وأنّهُ مع الوقت سيصلُ إليهِ فيُدركه ، ولكن على أنه فوقَ عِلمه وخارجَ قدرتهِ على العِلم ، رغمَ إحساسهِ بوجوده 
إن ما نُسميه العقلَ الكلي ، ليس الوسيلةَ التي يعلمُ المطلقُ بها الأشياء ، ليس العقلُ هو الذي يَعلمُ المطلقُ به ، إنما هو الوسيلةَ التي يُدرِك بها الكون ، والكون ليسَ مطلقاً ، إنما هو مخلوقٌ محدود ، لأنه يشملُ ما انبثقَ عن المطلق ، ولكنه ليسَ هو المطلق ، بل هو فيضٌ من المطلق …
النفسُ البشريةُ تستطيعُ أن تستمِدَ من العقلِ الكليِ ما فيه من علمٍ بكلِ شيء ، وهذا ما يتمتعُ بهِ الأقطابَ على حسبِ ما بَلَغوا من درجةٍ ومكانةٍ في السُمو ، وهؤلاءٍ الأقطابَ يُبلغونَ الناسَ ما تَكَشّفَ لهُم من وجودِ المطلق ، مؤيدينَ بذلكَ ما استطاعَ العقلَ إدراكهُ بواسطةِ القوةِ العاقلة ، 
إنّ في كلٍ منا مِنَ المطلق ( الروح ـ أتمان ) قَطرَة ، إنها قطرةٌ من محيطِ المطلقِ غيرَ المحدود 
الروحُ هي الجزيء الصغيرِ من المطلقِ الذي يبدو منفصلاً عن المطلق ، وما هو بمنفصلٍ عنه ، هو المبدأ الأسمى في كلّ نَفس ، حتى أحظَّ النفوسِ فيها ذلكَ القَبَس ، إنه فينا أبداً لا يزيدُ ولا ينقص ، ولكننا نحن نزدادُ إبصاراً لنوره ، كلّما تَقدمنا وارتقينا على السُلّم درجةً بعدَ درجة ، إنّ الروحَ موجودةٌ دائماً لا تتغيرَ ولا تتبدل ، ولكن وعيَ الإنسانِ ينمو مُقترباً من الروح ، ولا بد أن يندمجَ يوماً فيها ، وهذا هو هدفُ النفسِ وغايةَ التدرُّجِ والتَّقدُم ، والغرضُ من كلِّ جهدٍ وكِفاح …إنّ الحياةَ وسيلةَ النفسِ وفرصةَ كِفاحِها للتخلّصِ من حُجُبها وقيودها ، لتَصلَ إلى ميراثِها وتَتَمتّع به .
لماذا فَصَلَ المطلقُ جزءاً منهُ وقسّمهُ أجزاء ، أو ما يَبدو أنهُ كذلك ؟ ولماذا يبدو كأنه فَصَلَ هذه الأجزاء ، ما الفائدةَ وما معنى هذا كله ؟ وما الحكمةَ منه ؟
في العقل البشري عِلمُ العقلِ العامِ في الحالةِ الكامنة ، عقلُ كلُ فردٍ فيه معرفةَ الكونِ كلها ، وتحليلُ ماءِ المحيط لا يتطلبَ سِوى تحليلُ قطرةٍ منه ، والراسخُ في العلمِ يَعلَم كلُ علمِ الكَون ، باستقرائهِ ما في عقلِ نَفسه وعقلهِ ، يستطيع أن يحصلَ على ما في جوهرِ العقلِ من معرفة ، وأن يستقبلَ كلّ ذبذبات العقلِ الكلي ، فكل قطرةٍ فيها ما في الكلّ من خَواص ، … العقل الكلي فيه كل المعرقة ، وما يصل إلى عِلمِنا منهُ ليسَ جديداً ، بل هو موجودٌ فيه ميسورٌ لمن يستطيعُ أن يستمِده بعقلهِ الفرديِ كلما اتَّسَع أفُقَهُ وزادَ عُمقه ، حتى يصل إلى محيطهِ ليطّلِع على دورةِ القَدَر ، بل ويُشاركُ في جهودهِ إن أراد 
يمكن استخدام العقلِ في تشكيلِ المادةِ بواسطةِ الطاقة ، وبذلكَ يأتي أموراً ويصنعُ أشياءً تبَدو للعقلِ العاديِ مُعجزات ، ولكنها تدخلُ في نطاقِ الأسبابِ والمسببات ، نطاقَ الممكنِ المعقولِ لا إعجازَ فيها ولا مُستحيل 
تَستطيعُ النفسُ التي تقدّمت أن ترتفعَ بِعلمِها إلى حيثُ تكونُ فوقَ متناولِ قانونِ العِلَلِ والأسبابِ والنتائج ، الذي يسيطرُ على مجرياتِ الأمورِ في مستوياتِ الوجودِ الدُنيا .
احذَروا المعَلّم الذي يَدّعي أنهُ يستطيعُ بعقلهِ أن يُفَسّرَ لعقولِكُم سِرّ الوجود الذي اختصّ الله به نَفسَه ، فإن ساوَرَكُم الشّكُ وسَبّبَ لكم أسىً من سؤالٍ ما عنِ الوجودِ والخلقِ والكون ، فاهدءوا والجئوا بالعقلِ إلى الروحِ وسلطانِه ، تجدوا الهدوءَ والسّلام ، السّلام الذي يفوقُ الإفهام …
النفسُ مركزُ الوعي ، وفيها القَبَسُ الإلهيُ تَحوطُ به حُجُب ، وهذه الحجُبُ على درجاتٍ وأشكالٍ من جوهرِ العقلِ والطاقةِ والمادة 
وحتى بعدَ الموت ، فإنّ النفسَ لا تتخلصَ من المادة ، لأن لها مراكبَ أو أجساماً من المادةِ الشفافةِ في درجاتِ مختلفةِ من الصّفاء ، فجوهرُ العقلِ الفرديِ نفسهُ بِصورهِ المتعددة ، تحوطهُ طبقةٌ من المادةِ تحجبهُ عن العقلِ الكليِ إلى حدٍ ما 
توضعُ النفسُ في جسدٍ من المادةِ في أكثفِ صُورِها ، ثم تعملُ جاهدةً تحوَ الرُقيِ والتقدمِ والرِفعة  ، متخذةً صوراً يتسامى بعضها فوقَ بعض ، حتى تبلغُ درجةَ الملائكة ، وبعدها تندمجُ في المطلق وتدركُ وحدتها معه ، وهذه الحقيقة عُرِفَت بشهادةِ الذينَ بَلغوا المرحلةِ التي تؤهِّلُ لهذهِ الوِحدة ( النيرفانا ) .
عملية تكوين مركز الوَعي ، أو مولدِ النّفس ، أو دخولِ الروحِ حُجُبَ العقلِ والطاقةِ والمادة ، تُشبهُ في طبيعتها ما يسبقُ تكوينَ الجنين ومولِده ،  فالإرادةَ الإلهيةَ تشبهُ الخليةَ المتكونةَ من بويضتي الذكرِ والأنثى ، والروحُ تشبهُ الطفلَ الذي يتكونَ مِنها ، ولا بدّ أن تكونَ في الطفلِ طبيعةَ الوالدينِ وصفاتهما ، أي أن الروحَ من الله وأنها نَفسُ النفس ، وأن الحجُبَ التي تمثلُ العقلَ والطاقةَ والمادة ، هي جسدُ الطفل ، وكلٌ من نفسِ الطفلِ وجسده ، لا بُدّ أن يَكونا من نفسِ العناصرِ التي تكوّنَ منها الوالِدان ، فليس ثمةَ شيءٌ آخر يمكن أن يتكونَ منهُ الطفل ، وكما يقولُ كاتبٌ غربي : نحن بحق من جوهرِ المطلقِ نفسه ، وطبقاً لقانونِ الأبوةِ نأتي نحنُ أطفالهُ جسداً وروحاً على السواء ، إننا مولودونَ ولسنا مَصنوعين ، إذ أننا أولادٌ الحقيقةِ . 
فالطفلُ الذي يولدُ ويكونُ في صورةِ مادةٍ بسيطةٍ أولَ الأمر ، ثم ينمو فيَعي ثم يَعقِل ثم يُدرِك ثم يبلغُ مبلغَ الرِّجال ، حتى يصبحَ كأبيه شكلاً وعقلاً ، كذلك هذا الطفلُ الإلهي يُبعثُ في أبسطِ شكلٍ من أشكالِ الروح ، التي يمكن أن تُسمّى جسدُ الله ، وكلّما نمَت ، ارتفعت وارتقت وبلغت ذرى الارتفاعِ التي يصابُ فيها العقلُ بالدّوار ، حتى إذا بلغت آخرَ الطريق ، وجَدت نفسها أمام بيتِ أبيها ، لتدخُل وتُلقى نفسها في أحضانِ أبيها الذي يكونُ في انتظارها ، ثم تُقفَلُ الأبواب ، فلا نَعلَم مما يجري في الداخِلِ شيئاً ، هذه هي عودةُ النفس بعد رحلةٍ شاقةٍ طويلة ، لتَدخُلَ بيتها بسَلام .
كما تنعكسُ الشمسُ على البحر ، وعلى كلِّ نقطةٍ فيهِ إذا انفصلت عن غيرِها ، كذلكَ ينعكسُ نورُ المطلقِ على صفحاتِ العقلِ الكلي ، وعلى كلِّ ذرةٍ من ذراتِ ذلكَ العقل ، فإذا انعكست الشمسُ على بحرِ العقل ، فهيَ نورُ المطلق ، وإذا انعكست على قطرةٍ من العقلِ الكليِ التي يقالُ لها النّفس ، سمُيَتِ الروح ، 
ليسَ ذلكَ الذي يبدو في الانعكاسِ هوَ الشمسُ نَفسُها ، ولكنه في نفسِ الوقت ، ليسَ وهماً ولا خيالاً ولا شيئاً مُزيفاً ، فإن الشمسَ قد أرسلت جُزءاً من نَفسِها ، من قُدرتها ومن حرارتها ونورها ومادتها ، ولهذا فالبحرُ والقطرةُ تأخذانِ من نفسِ الشمس ، إن روحَ القطرةِ حَق ، وهذه مُعجزةَ السّر ، فعلى حين تكونُ الشمسُ حاضرةً في القَطرة ، إلا أنّ الشمسَ نفسها بعيدة ، وليس الحاضرُ منها إلا مظهرٌ فقط ، إن من يَرى الانعكاسَ في القطرةِ يرى الشمس ، شكلها ونورها ، ومع ذلك فالشمسُ في السماء ، وهكذا نرى الشمسَ في القطرةِ وهي في السماء ، ونرى الشمس في السماءِ وهيَ في القطرة ، هذا هو اللغزُ الإلهيُّ الذي في طيّاتِهِ الواحدَ المُتعدِّد ، والُمتَعدِّدَ الواحِد  الحق ، والكلُ الذي يَبدو مُنفصلاً ولا انفصال …
تنعكسُ الشمسُ على ملايينِ القطرات ، فإذا بالملايين منَ الشُموس ، ولكن ، مع أننا نرى في كلِّ قطرةٍ شمَساً ، إلا أن الشَمسَ واحدةً وهي في السّماء ، إنّ من يستطيعُ أن يدركَ هذا اللُغز ، يدركُ سِرَ الصّلةِ بينَ الروحِ والمطلَق ، بينَ المتعددِ والواحِد ، 
ألا ليتَ كلّ قطرةٍ تُدركُ أنّ في داخِلها شمسُ الحياة ، وتَعرفُ كيفَ تدركُ وجودَها فيها الإدراكَ الصَّحيح ، …

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق