الريكي وحقل طاقة نقطة الصفر
علم الريكي
من المفترض أن تكون طاقة الريكي مستمدة من مصدر كل الخلق ، وأن هذا المصدر هو القوة الحيوية التي تغذي الكوسموس بأسباب الوجود وتسرِّب فينا النور والحياة ، وتنشأ عنها هياكلنا الجسدية وكل أشكال المادة .
يدور التساؤل أحيانًا عمَّا إذا كانت طاقة الريكي ضرب من الوهم ؟ وهل يمكن جني منافع بتأثير علاج وهمي ؟ ما هو الأساس العلمي لوجود مثل هذه الطاقة ؟ هل طاقة قوة الحياة الكونية هذه مُنْشَأ ميتافيزيقي ، أو رمز أو أسطورة ؟
على العكس، يجدر بنا أن نسأل أنفسنا إن كانت تصوراتنا العامة للواقع تخلق أوهامًا. قد تكون أجسادنا وأنواتنا egos مجرد وهم.
ربما تكون الطاقة هي الطبيعة الجوهرية للواقع ، اللبنة الأساسية لكل ما هو كائن في الكون المُدرَك. فلو كان بوسعنا معاينة تبدلات الطاقة الجارية من حولنا ، لعشنا حياة مختلفة تمامًا .
إنما، قد يكون من الصعب تصوُّر ممارس الريكي متناغمًا مع مصدر طاقة لامحدودة ، ومن ثم إعمال حدسه ونيَّته على توجيه هذه الطاقة على نحو علاجي ، في كون القرن الثامن عشر النيوتوني – كون الفيزياء 101، حيث كان الافتراض السائد هو أن الذرات مُشكَّلة على غرار كرات البليارد ، وأنه يمكن اختزال كل فعل ورد فعل في العالم إلى مخططات بيانية محضة ومعادلات رياضية سلسة.
تفترض الفيزياء النيوتونية الكلاسيكية أن الكوسموس مُكوَّن أوليًا من فراغ emptiness – خلاء vacuum خلوٍّ من المادة والطاقة. ففي هذا النموذج الكلاسيكي يتركب الكون أساسًا من فضاء مَوَات ، وتتشكل الكائنات ضمن هذا الفضاء الفارغ كليًا عند المستوى الأكثر أساسية للمادة والتي تمتلك كتلة. وبسبب هذه الكتلة الجوهرية ، تنزع المادة إما إلى السكون أو البقاء متحركة حالما يتم تحريكها. وهذا ما يدعى بـقانون القصور الذاتي law of inertia.
لقد جُوبهت هذه النماذج العلمية القديمة بتحدٍّ تمثَّل بالكشوفات العلمية الحديثة من جهة ، ومن جهة أخرى بالمنظومات الحِكَمية القديمة التي تمضي بعيدًا في شرح ماهية الريكي ومصدر طاقته وآلية عمله .
وفيما يخص هذا المسار ، تُبيِّن النماذج العلمية الحديثة أن الطاقة هي المصدر الأساسي لكل المادة في الكون ، بما في ذلك الكائنات البشرية. فنحن جميعًا ، بمعنى ما ، كائنات من ضياء.
لقد علَّمتنا الفيزياء الكلاسيكية أن المادة هي مدماك الكون ، وأن الفضاء خلاء ، وأن الاحتكاك يفني العزم.
فالبندول المهتز سيستقر في نهاية المطاف ، إن لم يُنشَّط على الدوام بفعل قوة خارجية ، كنابض مثلاً.
لكن في القرن العشرين، برهنت فيزياء الكم نظريًا على أن كل المهتزَّات تواصل "اهتزازها" عشوائيًا حول "نقطة استقرارها"، مع وجود قدر بالغ الصغر من الطاقة دومًا.
ودعا علماء فيزياء الكم الحالة الأساس لأية منظومة اهتزازية طاقة نقطة الصفر zero-point energy. ويشير مصطلح "طاقة نقطة الصفر" إلى درجة الحرارة صفر على مقياس كلفن، وهي تعادل 214،7483648 درجة على مقياس فهرنهايت، وتم الاتفاق على أنها تمثيل رمزي لانعدام أية شكل من أشكال الحرارة ، كما في "خلاء" الفضاء[2].
ووجد علماء الفيزياء الفلكية، مسترشدين بأعمال فيزيائيي الكم في بحثهم عن جذور القصور الذاتي ، أن فراغ الفضاء السحيق هو في الحقيقة مصدر لامحدود ذاتي الاكتفاء من طاقة نقطة الصفر، والتي بدت لبعض هؤلاء العلماء أنها الطاقة الكلية الوجود في الكون .
ليست المادة هي اللبنة الأساسية للكون كما أعلنت الفيزياء النيوتونية . فطاقة نقطة الصفر المتمادية مع الحقل الواسع لفراغ الفضاء السحيق ، تبدو أنها الأصل الحقيقي لكل مادة في الكوسموس.
في ثلاثينيات القرن المنصرم، وصف فيزيائيو الكم الفراغ بحالة الحد الأدنى من الطاقة حيث تؤدي التموُّجات الدقيقة لطاقة نقطة الصفر إلى تشكيل مطرد لأزواج جسيمات – مضادات جسيمات.
بعيدًا عن اعتباره حالة موات، تم الكشف عن "خلاء" الفضاء من أجل توليد مستوى منخفض من الطاقة الخلفية background energy، وعلى نحو متزامن، من أجل تكثيف جسيمات الطاقة الأكثر أساسية، اللبنات ما دون الذرية للمادة.
واليوم، يدعو العلماء هذه النسخة المعدَّلة لطاقة الفضاء السحيق "حقل نقطة الصفر" Zero Point Field (ZPF).
ويختلف العلماء بخصوص مقدار الطاقة الموجود في حقل نقطة الصفر، لكن الحائز على جائزة نوبل ريتشارد فاينمان، بالإضافة إلى جون ويلر، أحد أتباع آينشتاين، يُقدِّران أن حجم كوب قهوة من طاقة نقطة الصفر هذه يكفي لتبخير محيطات العالم جميعًا.
إنها طاقة كافية لتوفير مصدر لامحدود من طاقة قوة الحياة الكونية من أجل ممارسي الريكي وأشكال الطاقة الأخرى في جميع أنحاء العالم إلى الأبد.
هالة جوهر الخلق ـ الله
أنا أفترض أن مصدر طاقة الريكي ينشأ مما درج بعض العلماء المعاصرين على وصفه بحقل نقطة الصفر – حقل تملأ فيه طاقة منخفضة المستوى ما يبدو أنه انفساح فارغ للفضاء السحيق. وقد بدأ بعض العلماء النظر إلى حقل نقطة الصفر بوصفه مصدرًا لامحدودًا للطاقة، بل ومصدر كل مادة في الكون.
ومع نشر البحوث العلمية للفيزيائيين الفلكيين الأمريكان هال پوتهوف وبيرني هايش وألفونسو رويدا، حازت هذه الرؤية الجذرية للكون على أرضية مؤسِّسة في تسعينيات القرن المنصرم، حيث تخطَّت بحوث هؤلاء العلماء النموج النيوتوني. فوفقًا لنيوتن، المادة هي اللبنة الأساسية للطبيعة، وبامتلاكها كتلة جوهرية يمكن أن تتحول إلى طاقة. أما پوتهوف وهايش ورويدا فقد نحوا منحى معاكسًا؛ لقد نظروا إلى الكون بكليته، وكل مادة ضمنه، كخلق ضوئي. فالمادة وهم محض بالنسبة إلى هؤلاء الفيزيائين الفلكيين.
"هل المادة وهم؟ هل يعوم الكون على بحر فسيح من الضوء توفر قوته اللامرئية المقاومة التي تعطي للمادة ملمسها الصلب؟"، تتساءل مجلة Science and Spirit، "لقد تعقَّب الفيزيائي الفلكي بيرنهارد هايش وزملاؤه المعادلات إلى بعض الاستنتاجات المُقنعة – والاستفزازية ربما".
ينظر بثوف وهايش ورويدا إلى "المادة" بوصفها مركبًا من "جسيمات" ضوئية دون ذرية مُتسارِعة في خلاء نسبي، خلاء مملوء بمحيط من الطاقة الخلفية يُدعى حقل نقطة الصفر. ونظرًا لتفاوت كثافة حقل نقطة الصفر من مكان إلى آخر، تواجه الجسيمات الضوئية دون الذرية مقاومة من الحقل لدى تنقلها، مما يسبب اندماج هذه الجسيمات المتسارعة في حقول أكثر تركيزًا، وبالتالي تشكِّل "المادة" في نهاية المطاف.
وتواجه هذه "المادة"، أو الضوء المندمج، مقاومة متزايدة من حقل نقطة الصفر فيما هي تتشكل، فينشأ ما يطلق عليه الفيزيائيون مصطلح "القصور الذاتي".
انطلاقًا من هذه الرؤية للواقع، كل الكائنات، مهما كان حجمها أو كثافتها أو ثقلها، سواء كانت ذات روح أم جماد، واعية أم غير واعية، فإنها تتألف من مجموعة من الشحنات الكهربائية المتفاعلة مع بحر خلفي من الحقول الكهرومغناطيسية وحقول طاقة أخرى.
لقد تعاملت صيغة آينشتاين الفيزيائية E=Mc2 (طاقة جسم تعادل جداء كتلته بمربع سرعة الضوء) مع المادة والطاقة على أنهما مفهومان مختلفان من الظواهر، مبيِّنة إمكانية تحول المادة إلى طاقة والعكس بالعكس.
لكن الفرضية العلمية الجديدة تنظر إلى المادة بوصفها شكلاً من أشكال الطاقة الناشئة عن حقل نقطة الصفر.
في هذا النموذج للكون، حقل نقطة الصفر هو مصدر كل الخلق، وهو يملأ كل الكوسموس بما في ذلك ما يبدو جليًا للعين البشرية المجردة مثل الخلاء بين الكواكب والنجوم. ويتخلل حقل نقطة الصفر كل الفضاء، وجميع الكائنات الحية وغير الحية فيه، رابطًا بعضها ببعض. فهذا الحقل مكوَّن من ضوء مرئي ولامرئي، من أطوال موجية مختلفة.
وتُفسَّر المقاومة لحركة الموجات/الجسيمات الضوئية ما دون الذرية خلال حقل نقطة الصفر على أنها مسببة للجاذبية ولتعجيل اندماج هذه الموجات/الجسيمات الضوئية فيما ندعوه المادة.
في حركة حقل الطاقة الكوني هذا للأطوال الموجية المختلفة، وبينما يولد قوى وحقول تجاذبية وكهرومغناطيسية، يشكل دوامات من الطاقة الواسعة والصغيرة، خالقًا مجرات وأنظمة شمسية ونجومًا وكواكب، وحتى أشكال الحياة المتطورة على الكواكب خُلقت على هذا المنوال.
ووفقًا لهذا العلم الجديد، نحن جميعًا كائنات من ضياء، حقول مُمركزة من طاقة قوة الحياة الكونية المُبلوَرة، في ترابط مع كل ما هو موجود بحكم كونه متضمَّن في الحقل الكوني الأكبر.
العلماء الذين يستكشفون هذا النموذج الجديد للكون يجدون أن رؤيتهم تتلاقى مع الحكمة القديمة للتقاليد الصوفية التي وُجدت في كافة أنحاء العالم. فعلى مرِّ التاريخ، وفي العالم أجمع، صوَّر صوفيو العديد من التقاليد الحقول الكونية لطاقة قوة الحياة في أساطيرهم عن الخلق واستخدموا أشكالاً مختلفة من هذه الطاقة في ممارساتهم العلاجية.
وتحذو المعالجة بطاقة الريكي حذو هذا التقليد الجليل الموغل في القدم في جميع أنحاء العالم.
في العهد القديم، كانت كلمات الله الأولى في يوم من أيام الخلق: "ليكن نور".
وتبدأ الأسطورة اليونانية عن الإلهة غايا بصورة لها مندفعة على شكل دوامة خارج الظلمة، ملفوفة بأوشحة بيضاء فضفاضة.
وينظر الهندوس إلى الخلق الأصلي بوصفه دوامات مشكَّلة في بحر من الحليب، وهو تمثيل مجازي لحقل طاقة يكثِّف المادة من الفراغ.
أما القبالة Kabbalah، وهي التقليد الصوفي اليهودي الذي بدأ حوالي العام 538 قبل الميلاد، فيشير إلى نفس هذا البحر الأولي من الطاقة كضوء نجمي، أو Ain Soph Aur [3].
كانت فكرة طاقة نقطة الصفر، بشكل من الأشكال، عود إلى نماذج مبكرة للكون. ولاقت هذه الفكرة عن الحقل الكوني للطاقة قبولاً من كل الثقافات القديمة على وجه الأرض.
وسواء دُعيت روحًا Spirit أم برانا[4] prana أم تشي[5] chi أم أثير aether، أو أي مسمى آخر، كان الاعتقاد السائد في الكثير من التقاليد الدينية أنها الطاقة البدائية التي أطلقت شرارة الخلق والعاملة على إدامته.
ليس الإله أو الإلهة، بل نفس الله، كلمة الله، هالة الله، المادة الأولية التي ينشأ منها الخلق وتمدُّه بالحيوية والنماء.
دعا أفلاطون هذا الحقل الجوهر quintessence، مشيرًا إلى خمسة عناصر: التراب، الهواء، النار، الماء والأثير. ونحن ندعو هذه الطاقة "ريكي": طاقة قوة الحياة الكونية.
كما يوفر حقل نقطة الصفر، أو طاقة قوة الحياة الكونية، وسطًا يمكن عبره إرسال الطاقة عن بعد على شكل طاقة ريكي أو صلاة أو علاج شاماني إلى متلقِّين بعيدين على نحو متزامن.
وقد بدأ العلماء في استكشاف إمكانية إبداء حقل طاقة قوة الحياة الكونية وعيًا كوسموسيًا بالإضافة إلى خصائصه الأخرى.
هل حقل نقطة الصفر هو هالة الله ؟ ربما.
الطاقة الكونية والعلاج بالريكي
ينبع العلاج بطاقة الريكي من منظومات الحكمة القديمة ذات العلاقة بطاقة قوة الحياة الكونية المتكشَّفة في الأديان والأساطير وتقاليد الشفاء بالطاقة في كل أنحاء العالم.
تعود ممارسات الشعوب البدائية للعلاجات الشامانية إلى ما قبل التاريخ ، وهي تعتمد على فهم عميق للعالم الأرواحي وحقل الطاقة الكونية وحقل الطاقة البشرية ، أو الهالة الأثيريةaura. ويستعمل المعالجون الشامانيون "القدرة" power من أجل التقويم الذاتي والاستشفاء والحصول على الحكمة الروحية. وتجيء هذه القدرة من الانتباه الوحيد الاتجاه والتكرُّس لطريق الروح والقدرة البارعة على التعامل مع طاقة قوة الحياة ضمن النفس ذاتها وفي البيئة المحيطة. هذه "القدرة" ليست بالضبط مثل كونداليني[6] kundalini أو برانا أو كي ، لأنها تمثل هذه الطاقة مضافًا لها القصد المركَّز للمعالج الشاماني المرتبط بنسب سلالي محدد تمامًا وبالعالم الروحاني.
لقد أكدت المنقولات الروحية الهندوسية القديمة على أن الصحة والنماء الروحي يعتمدان على موازنة أنظمة طاقة الجسد وتعزيز تدفق طاقة قوة الحياة الكونية عبر مراكز الطاقة الرئيسية أو التشاكرات chakras المتموضعة على طول العمود الفقري وفي الرأس.
ويتطلب هذا التوازن والتعزيز انضباطًا وتركيزًا ودأبًا وجهدًا صبورًا من جانب الفرد الذي يأمل في ممارسة التأمل وتطهير الجسد وسلوك الاعتدال في كل مظاهر الحياة وإنجاز جملة من الممارسات الروحية الأخرى.
منذ أكثر من 5000 سنة، ركزت المنقولات الروحية الهندوسية على شكل أساسي من الطاقة يدعى برانا prana، "نَفَس الحياة"، الذي هو أساس ومصدر الوجود برمَّته. ويزاول اليوغانيون Yogis تقنيات التنفس والتأمل والتمارين البدنية من أجل تصعيد طاقة قوة الحياة هذه في دواخلهم. إنهم يأملون في تنشيط الطاقة الكهربائية ضمن العمود الفقري المعروف لدى اليوغانيين بـ"كونداليني"، وبالتالي تحقيق حالات متغيرة من الوعي، وصولاً في نهاية المطاف إلى التحقُّق الذاتي أو الاستنارة الروحية.
في الألفية الثالثة قبل الميلاد، تحدث الحكماء الصينيون عن طاقة حيوية ضرورية لإدامة الحياة ودعوها Ch’i ,Ki. وقد نظر الصينيون إلى Ki بوصفها الطاقة الكونية المنبثَّة في الكوسموس بأسره. ويعتمد النظام الاستشفائي الصيني عن طريق الوخز بالإبر على تحقيق التوازن بين قطبين اثنين من تجليات Ki، يدعيان ين ويَنغ[7] yin and yang داخل الجسد البشري.
ويروي المنقول المسيحي قصة عيد العنصرة، عندما نزل الروح القدس على حواريي المسيح الإثني عشر، فدخلوا في حالة أسمى من الوعي وجالوا البلاد طولاً وعرضًا يتلون الدعوات ويعظون بالإنجيل علنًا وبلا وجل. وقد تمكنوا من شفاء الكثير من الناس عن طريق الصلاة والتدليك بالأيدي.
تتحدث تعاليم الحكمة ليوغانيي العالم الغربي، المعروفين بالخيميائيين، بالتفصيل عن الطبيعة الحقيقية لحقل الطاقة الكونية وعن خصائصها الشافية.
لقد أماط الخيميائي الأسطوري هِرمِس مثلث العظمة[8] Hermes Trismegistus اللثام عن الكثير من الحقائق الجوهرية حول العلاقة بين الهالة البشرية وحقل الطاقة الكونية في عمله التنويري، رغم ما اكتنفه من إبهام، "ألواح تحوت الزمردية" The Emerald Tablets of Thoth، حيث يكتشف المكرَّس من خلاله أن اللوغوس، كلمة الله في الكتاب المقدس، هو نور حي سائل. فالكلمة، ذاك النور الحي السائل، مركَّبة من وعي كوسموسي، محبة الله. الكلمة متمادية مع الكوسموس. وفي الجوهر، هذا اللوغوس هو هالة الله، ونحن جميعًا نعيش في ظل هذا الحقل المحب الخيِّر لطاقة قوة الحياة الكونية.
يدعو هرمس هذا الوعي، هذا النور الحي السائل، "قوة كل القوى" The Strength of All Strengths، "الكائن الأوحد" The One Thing، زئبق الخيميائيين. فطبيعة الزئبق هي المحبة النقية. وتتجلى هذه الطاقة على المستوى الجسدي، كطاقة جنسية. أما على المستويين العقلي والروحي، فيظهر الزئبق مثل نور صاف أو الروح القدس الذي سكن تلامذة المسيح في عيد العنصرة.
زئبق الخيميائيين هو مكافئ لطاقة كونداليني التي يستنهضها في دواخلهم الشرقيون المتعمِّقون بتقاليد اليوغا في مجرى عملية الاستنارة. ويتم إيقاظ طاقة كونداليني عند قاعدة العمود الفقري من خلال عاطفتي المحبة والرحمة، ويُرفع عبر النقاء لكي يفتح القلب، ويتحول هناك إلى نور صاف، أو الروح القدس، ومن ثم يُصعَّد إلى تاج الرأس، مانحًا الاستنارة .
الريكي وحقل الطاقة البشرية
ليس عَرَضًا أن يُوصَف، على مر التاريخ، الأفراد المحقِّقين لذواتهم، المرشدون الروحيون الحقيقيون، المسيح والمعلمون الروحيون الآخرون، بأنهم معالجون مجترحون للمعجزات. لقد اكتسب هؤلاء الأفراد ضبطًا واعيًا تامًا لطاقة قوة الحياة الكونية، ولحقل طاقاتهم الخاصة، وللترابط بين هذين الجانبين.
تؤثر طاقة قوة الحياة الكونية، طاقة الريكي، بشكل مباشر على حقل الطاقة البشرية من أجل تحقيق التوازن في تدفق الطاقة في كافة أنحاء الجسم على نحو مثير تمامًا.
يعمل الريكي على مستوى عميق الغور لتعزيز الشفاء الذاتي، لكون حقل الطاقة البشرية هو السمة الأكثر جوهرية في طبيعتنا.
لقد اعتدنا على اعتبار أنفسنا كائنات فيزيائية قد تمتلك مكونًا لافيزيائيًا من نوع ميتافيزيقي لا يمكن تحديده كميًا . لكن الحقيقة هي أننا كائنات من ضياء تستوطن جسدًا ماديًا متبلورًا من طاقة قوة الحياة الكونية.
كان المعلمون الروحيون، من الشرق والغرب على حد سواء، يعلنون في تعاليمهم دومًا أن الحقيقة مختلفة عن تصوراتنا الدارجة عن الحياة، وأن مظاهر الهالة البشرية هي أكثر أهمية بالنسبة إلى وجودنا من الجسد.
الكائن البشري أشبه ما يكون بغيمة ماطرة أو زهرة – مُعَلَّق كهروغرواني electro-colloidal suspension لمادة دقيقة في وسط سائل، متسرِّبة إلى حقل طاقة متماسك ومُحاطة به.
ويمكن تعريف المادة الغروانية على أنها جسيمات مادية منقسمة وممزوجة بدقة في مادة حاضنة على شاكلة سائل أو هلام أو غاز. وتقنيًا، يعرِّف قاموس مِريام ويبستر الطبي Merriam Webster's Medical Dictionary المادة الغروانية على أنها "مادة مكونة من جسيمات منتشرة في كامل مادة أخرى وهي من الصغر بحيث لا يمكن حلُّها بواسطة مجهر ضوئي عادي، لكنها غير قادرة على النفاذ عبر غشاء نصف نافذ أو على شكل مزيج (كالدخان) مؤلف من مادة غروانية جنبًا إلى جنب مع الوسط الذي هي منتشرة فيه".
تنجذب المواد الغروانية إلى بعضها البعض عن طريق توتراتها السطحية التي تنزع إلى دمج المعلَّق الغرواني في كثافة متعاظمة وشكل أكثر هلامية.
كما أن المواد الغروانية تزداد تفككًا نحو حالة تشتت أكثر تدعى صول Sol بداعي خواصها الكهربائية. ووفقًا لموسوعة كولومبيا Columbia Encyclopedia، "تمتص جسيمات المادة الغروانية الإيونات بشكل انتقائي وتكتسب شحنة كهربائية. فكل من جسيمات مادة غروانية ما تقبل نفس الشحنة (إما إيجابية أو سلبية) وبالتالي تتنابذ مع بعضها".
توجد الخلايا والأنسجة – بل الحياة برمتها – في حالة من التوازن بين الهلام وبين الصول. فالحياة تعتمد بالكامل على تناسق متوازن بشكل ثابت يغذي المعلَّق الكهروغرواني استمراريته. فانتقال المعلَّق بعيدًا جدًا باتجاه الهلام، أو بعيدًا جدًا باتجاه الصول، ينهي الحياة.
فالحياة كلها تتوقف على الحفاظ على توازن دينامي طوال الوقت.
ويُغذَّى هذا التوازن الدينامي عن طريق مجموعة من حقول الطاقة المترابطة المتسرِّبة في كل أشكال الحياة والمحيطة بها والمكيِّفة لها والمعزِّزة لها ولكل مكوِّناتها من خلايا وأنسجة – والتي هي مُشكَّلة بأكملها من معلَّقات غروانية.
لقد أجرى العلماء قياسات كهروسكونية وكهرومغنطيسية وصوتية وحرارية وبصرية على مكونات حقل الطاقة البشري الذي يدعوه البعض "الهالة" البشرية. ولا بد لنا الآن من إضافة مفهوم حقل التشكُّل المورِّثي morphogenetic field الذي يساعد على تركيب أشكال الحياة وتوجيهها صوب حالات تطورها القصوى، متضِّمنًا تخطيطات بدئية لنموها وتطورها طوال دورة حياتها.
لقد ابتدع العالم البيولوجي روبرت شيلدريك مصطلح "حقول التشكُّل المورِّثي" للدلالة على حقول دينامية معينة تحيط بالمواد المتبلوِّرة والكائنات البشرية والحيوانات.
لقد نظَّر شيلدريك لحقل رَجْع تشكُّلي morphic resonance تترسخ فيه أنماط المعرفة أو الهيكلة أو السلوك لنوع محدد من الأشياء (سواء كانت مادة بلورية أم دماغ بشري) على نحو متزايد كـ"عادة"، كنمط متأصِّل من المعلومات يؤثر في أعضاء ذلك الصنف من الأشياء ومُتقبَّل منه.
ويضيف الموقع:
في عشرينات القرن المنصرم، أجرى العالم النفساني ويليام مكدوغال في جامعة هارفارد سلسلة من التجارب دامت 15 سنة درَّب فيها جرذانًا على الهروب من حجيرة مغلقة. الجيل الأول من الجرذان ارتكب ما معدله 200 خطأ قبل أن يتعلم بلوغ الطريق الصحيح إلى الخارج، أما الجيل الأخير فلم يرتكب سوى 20 خطأ. فخلص مكدوغال إلى نتيجة مفادها، على النقيض من علم الوراثة المُسلَّم به، بأن مثل هذه المعرفة المكتسبة يمكن أن تُورَّث.
وفي محاولات لاحقة لاستنساخ تجارب مكدوغال في أستراليا، كانت أخطاء جرذان مماثلة أقل منذ البداية. أما الجيل التالي من هذه الجرذان فقد تحسَّن أداؤها كثيرًا، حتى وإن لم تكن متحدِّرة من سلالة الجرذان السابقة لها. لم يكن هذا بفعل عامل مورثي؛ كان أمرًا ما آخر لم يختبره أحد بعد.
وفي معرض تعليقه على تجارب الجرذان، قال شيلدريك:
إذا تعلَّمت الجرذان حيلة جديدة في مانشستر، فلابد لجرذان من نفس النسل في جميع أنحاء العالم أن تُبدي ميلاً لتعلم الحيلة ذاتها بسرعة أكبر، حتى في ظل غياب أي نمط معلوم من الارتباط الفيزيائي أو الاتصال. وكلما تعاظم عدد الجرذان التي تتعلم هذا السلوك، لا بد أن يصبح أسهل على أخلافهم.
عملت منظومات الشفاء بالطاقة، مثل الريكي، على تعزيز التوازن الدينامي ضمن حقل الطاقة البشري، وبالتالي ضمن الجسد البشري والدماغ وحتى اللاوعي الجمعي، حيث قد نجد أنماطًا تشكل قوسًا تطوريًا للوجود البشري، وفقًا لنظريات شيلدريك.
كائنات من ضياء وكون هولوغرافي
ما يتبقى للتوضيح هو بالضبط الكيفية التي تنشأ بها مختلف مكونات حقل الطاقة البشرية من حقل طاقة قوة الحياة الكونية أو حقل نقطة الصفر.
من الجلي بالنسبة للمتصوفة وبعض العلماء أن المادة وأشكال الحياة تنشأ من هذا الحقل متكوِّنة من الطاقة. مع أن العلم لا يستطيع اكتشاف تلك الجسيمات التي تشكل اللبنة الأساسية للمادة؛ إذ لا وجود لها. بيد أن إعمال التفكر بالمادة سيميط اللثام أكثر فأكثر عن جسيمات متزايدة الصغر في ارتداد لا حصر له من الأشكال.
يتوجب علينا مقاربة الخلق من منظور طاقوي ينظر إلى المادة بكاملها بوصفها ضوءًا متبلرًا. ويدرك علماء "الجسيمات" مظهرًا لهذا الضوء المكثَّف، يمكن النظر إليه على المستوى مادون الذري إما كموجات أو كجسيمات.
سوف تنقلب نظرتنا العامة عن العالم رأسًا على عقب حالما ندرك أن حقول الطاقة تشكل المادة بأكملها وتغذيها، بما في ذلك أجسادنا نحن. وصحة الجسم البشري تعتمد على سلامة الهالة الأثيرية؛ نظام الطاقة في حالة توازن دينامي. فمن بالغ الأهمية الحفاظ على تدفق صحي للطاقة في كافة أنحاء الجسم والهالة.
إننا نعتقد، تقليديًا، أن الكائنات والأجسام تولِّد حقولاً من الطاقة حولها، لكن الصائب هو العكس تمامًا. فحقل الطاقة يُحدِث الكائن ضمنه، سواء كان هذا الكائن كمبيوترًا أم غيمة أم طفلاً.
إننا نوجد ككائنات واعية من ضياء ضمن كون مركَّب من حقول متوالية من الطاقة مترابطة على نحو هولوغرافي. فخلايا الجسم البشري هي معلَّقات كهروغروانية، حقول صغيرة متواجدة ضمن حقول أكبر من المعلقات الكهروغروانية المسمَّاة أنسجة، التي تتواجد بدورها ضمن حقول أكبر تدعى أعضاء متواجدة في شبكة مترابطة.
بوسعنا تصوير الكوسموس مثل شبكة إندرا[10] Indra's Net الموصوفة في آفَتامساكا سوترا[11] Avatamsaka Sutra كنسيج للحياة متواصل ومترابط ومنعكس ذاتيًا في كل نقطة منه، حيث يحتوي كل مكوِّن أدنى الكل.
وللمفارقة، يبدو كل مكوِّن أدنى مكتفيًا ذاتيًا ومستقلاً بذاته عندما يُنظَر إليه من زاوية محددة من حقل الفاعلية.
يقول السير تشارلز إليوت في كتابه البوذية اليابانية:
يُقال إن هناك، في سماء إندرا، شبكة منظمة من اللآلئ بحيث إذا نظرت إلى إحداها تجد بقية اللآلئ منعكسة فيها. وعلى نفس المنوال، كل موضوع في العالم ليس هو مجرد ذاته، بل يتضمن كل موضوع آخر، وفي الحقيقة، كل شيء آخر. "في كل جسيمة غبار، هناك عدد لا حصر له من البوذوات".
أيضًا، يضع الدكتور كارل بيبرام، العالم الشهير المختص بأمراض الدماغ، فرضية مفادها أن الدماغ البشري يمتلك خواصًا هولوغرافية، وأنه مسؤول عن تركيب حواس البصر والسمع والتذوق والشم واللمس على نحو كلي. بل ويمضي أبعد من ذلك فيقول إن الدماغ يستخلص المعلومات، كالذكريات مثلاً، من مجال هولوغرافي يتجاوز الزمان والمكان.
إذا كان الوعي حقل طاقة متواجد ضمن مجموعة من حقول طاقة أكبر ومترابط معها، وهي ممتدة ومحاذية لحقل طاقة قوة الحياة الكونية، فإن حقل نقطة الصفر، ومن ثم العقل والجسم والهالة الأثيرية والبيئة المحيطة متواكلة كليًا.
الريكي عن بعد وحقل نقطة الصفر
إذا كان الكون هولوغرافيًا، فإنه يمكن لطاقة قوة الحياة الكونية أن تنتقل على الفور عبر الزمان والمكان. وهذا ما قد يوضح آلية بعض الظواهر مثل المعالجة بطاقة الريكي عن بعد، وقدرة الصلاة على شفاء أمراض جسدية، والتخلص من انطباعات نفسية مقلقة جراء أحداث حصلت في الماضي أو ستحصل مستقبلاً، والكثير من الظواهر الأخرى. ومن الجانب النظري، من الممكن تمامًا استخدام نموذج هولوغرافي للكون Warp Drive of Star Trek الأسرع من الضوء[12].
ممارسو الريكي والصوفيون الأطباء السحرة المعروفين بـالشَمَنيَّة Chamans والمعالجون الآخرون بالطاقة يعرفون أن حقل الطاقة البشرية، ومن ضمنه جسدنا الفيزيائي، حساس للغاية تجاه تموُّجات الطاقة التي تخلُّ بتوازن المعلقات الكهروغروانية بين الصول والهلام، من بين العديد من المتغيرات الأخرى.
إن دخول المواد السُمِّية إلى حقول الطاقة لدينا وإلى أجسامنا يُفسد التوازن الدقيق الدينامي للحياة مما يؤدي إلى أمراض جسدية وعاطفية وعقلية. فالأفكار والعواطف هي طاقات، بالضبط تمامًا كما تتبدى المادة الفيزيائية على أنها طاقة.
عندما تدخل مواد فيزيائية أو أفكار أو مشاعر ملوِّثة أو سلبية إلى حقول الطاقة لدينا، جراء عدم توازن داخلي أو ظروف خارجية، سنعاني من رضَّة يمكن أن تصيب نواح مختلفة من حقل الطاقة لدينا – في الهالة أو العقل أو القلب أو حتى في صلب الجسد – متظاهرة على شكل هوامات عقلية أو عواطف سلبية أو انسدادات في تدفق الطاقة ضمن هالاتنا وبقية مكوناتنا أو مرض جسدي.
في الأساس، عندما نبتلع موادًا سمِّية أو مثيرة للحساسية أو مُمرِضة من البيئة المحيطة بنا، وعندما نعاني من أفكار أو عواطف سلبية، وعندما نتعرض إلى رضَّات جسدية من مختلف الأشكال، يتعرقل التدفق الطبيعي لطاقة قوة الحياة، أو Ki، ضمن حقل الطاقة البشرية، بما في ذلك الجسم الفيزيائي.
ويمكن لهذه العراقيل أن تخلق انسدادات أو جيوبًا تسببها مادة سُمِّية، جسدية كانت أم عقلية أم عاطفية، مما يُنتج أمراضًا أو عُصابات أو عواطف سلبية أو هوامات عقلية أو مشاكل في علاقاتنا الحياتية مع المحيط.
وتساعد طرق المعالجة بواسطة طاقة الريكي على إحياء التوازن في تدفق طاقة قوة الحياة، أو Ki، عبر كل مناطق حقل الطاقة البشرية وفي كافة أنحاء الجسم المادي.
لقد وجد ممارسو الريكي أن هذه الطاقة، مثلها مثل الزئبق الخيميائي المشكل وعيًا كوسموسيًا وحقل نقطة الصفر، هي طاقة ذكية ومُحِبَّة. وبسبب "الذكاء البالغ" Higher Intelligenceالموجِّه لهذه الطاقة، فإنها تميز بالضبط الموضع الذي تسري فيه في الجسم وفي الهالة من أجل خلق توازن في النواحي التي تعاني من حصر في تدفق Ki.
ويمكن استخدام طاقة قوة الحياة نفسها، الريكي، في تقوية حقل الطاقة لدينا، وتفعيل نظام التشاكرا على نحو أمثل، وتعزيز قدرتنا على التأمل، وتحسين وصولنا إلى الحدس والهداية الروحية الداخلية، وتحرير ملكاتنا الخلاقة.
ويتفق المعلمون الروحيون، في الشرق والغرب، على ضرورة تعزيز تدفق طاقة قوة الحياة الكونية في كافة أنحاء حقل الطاقة البشرية والجسم من أجل تحقيق النمو الروحي. وفي الواقع، كل الخبرات الصوفية ترتكز على بلوغ يقظة كونداليني، انصباب طاقة قوة الحياة الكونية بهذا القدر من الفيض الذي يصهر المنظومة بكاملها مع قوة الحياة الكونية، ويدمج الوعي البشري بحقل نقطة الصفر، وهذه الحالة تدعى نيرڤانا Nirvana.
ترجمة: غياث جازي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق