الصوت في الكون ... ماذا يعني ، وكيف نفهمه
الصوت مدخل الانسجام مع الكون والحياة والسعادة والسلام.
الصوت أساس الحضارة
الحضارة القديمة هي حضارة النطق، وكانت الذاكرة الفردية والجماعية والعادات والتقاليد هي الوسيلة الوحيدة للحفظ داخل المجتمعات،
يميل سلم الأنغام الصوتية النسائية العالية إلى الشحن بالطاقة أكثر من سلم الأنغام الخفيضة، وتعبر المرأة بسهولة بالغريزة وتطلق العنان للحدس والخيال والحلم وتعرف كيف تستعمل رنين الصمت كما تستعمل الرنين والصوت هو التعبير عن المقدس، الوحي كلام الله إلى الأنبياء، ثم الرسالة، والتراتيل الدينية، والأذان والغناء الديني. فالديانة المسيحية عبرت عن العلاقة بين المقدس والصوتين الداخلي والخارجي بصلاة القلب الفيلوكاليا، وهي هتافات داخلية وخارجية متزامنة مع حركة النّفس.
وصلاة القلب كان يقوم بها الرهبان فقط، فسرّ الصوت لم يكن في متناول الجميع، في حين كان سكان الشرق الأوسط والأقصى يعرفونه في حياتهم اليومية، فالمسلم الذي يصلي خمس مرات في اليوم باستعماله اللغة العربية بأحرف علتها وحركاتها يلمس سر الكلمة وقدسيتها، ثم إن صوت المؤذن يجعل جسم المؤمن مستجيبا له.
وفي الديانة المسيحية تقليد قديم يرجع التسابيح والطقوس إلى مزامير وأناشيد باللغة الآرامية تتناقل شفهيا وتتميز على التراتيل الغريغورية المكتوبة بحيويتها، فالإنسان هو الذي يحيي النص الموسيقي، وعليه إعادة إحيائه، فالنص لا يوجد في حد ذاته، والموسيقى لا توجد في حد ذاتها، بل يجب إعادة إحيائهما، ويحتاج النص المكتوب إلى كثير من الإضافات ليصبح بشريا ومعبرا.
الإسلام أيضا يوحد بين الصوت والمقدس، كما في القرآن الكريم كلام الله المنزل، وتظهر هذه العلاقة عند الصوفيين الذين يستخدمون تقنية خاصة في التنفس والذكر، واللغة العربية هي لغة الاتصال بين الإنسان والخالق.
والنبي محمد أملى على المؤمنين المسلمين بما أوحى به الله إليه،. وفي سورة العلق كانت أول آية نزلت هي: اقرأ، وهذا يعني اقرأ بصوت عال، وهذا معنى كلمة قورا بالسريانية، واللفظة ذاتها تظهر في اليونانية.
الصوت وطبيعة المرأة والرجل
جسم المرأة مصمم بالأساس للإنجاب، ويميل سلم الأنغام الصوتية النسائية العالية إلى الشحن بالطاقة أكثر من سلم الأنغام الخفيضة، وتعبر المرأة بسهولة بالغريزة وتطلق العنان للحدس والخيال والحلم وتعرف كيف تستعمل رنين الصمت كما تستعمل رنين الأصوات.
والرجل تختلف بنيته عن المرأة، فالجهاز العضلي عنده أهم بكثير، وهذا يجعله صلبا ثابت القدمين، ولكن عموده الفقري يفتقد إلى المرونة والليونة، وهو أكثر عقلانية وأقل شفافية من المرأة، وكان الحمام العام في الشرق القديم مقصدا للرجال لأجل تدليك عضلاتهم وتليينها وتقبل تغيرات الطبيعة.
والرجل هو وليد رمق الحياة الدائم الوجود عند المرأة، ولذلك تراه يعود دائما إلى مصدر هذا الرمق، إلى المرأة، فرقص هز البطن مثلا المعروف منذ القدم والذي يمارس حتى اليوم في بلدان عدة وبأشكال مختلفة وضع ليذكر الرجل بهذا الواقع، فعندما تهز الراقصة بطنها على إيقاع موسيقى أعدت وصممت لهذا الهدف يهتز كل شيء في الأجواء، فيستفيق مركز الرجل الكوني من سباته.
لا يدفع هز البطن أساسا إلى الشهوانية، وعندما يضع الرجل ماله عند أقدام الراقصة فإنه يرمز إلى أنه يضع كل تعبير مادي له عند أقدام الوسيط على نافذة الكون.
وإذا وجد التفاهم والحب بين الزوجين يكون الانصهار الصوتي هو السبب فتكون المشاركة والاحترام والمودة والثقة والحوار، والإصغاء المستمر الذي يؤدي إلى التواصل الفعلي.
تناغم الصوت والجسد
عندما ينقطع التناغم بين الجسد والصوت يتعرض للقلق والإدمان والاكتئاب والسمنة، فالتوافق بين الجسد والصوت هو أساس الكائن، وقد يحتاج المرء إلى علاج صوتي أو علاج بالصوت ليعرف ذاته وموقعه في العالم، ويلجأ إلى جوهره، ويحسن الإصغاء وفهم لغة كل عضو من أعضاء جسمه.
وكان عازف البيانو "غلن غولن" يتعرض لعذاب شديد قاس عندما يعزف على البيانو، فقد كانت الأصوات تسيطر على حياته نتيجة تربية موسيقية شديدة فرضتها أمه حتى تخلى نهائيا عن تقديم الحفلات الموسيقية.
وأصبحت الضجة في عصرنا مزعجة ومؤلمة لأنها تعدت طاقة تحملنا لها، فهي لا تصيب الأذن فقط، بل تتخطاها إلى الجسم كله، وتسبب توترا متكررا وتشوش المشاعر وتقلق ساعات النوم، فالتلوث الصوتي يضر بكل أعضاء الجسم، ويظهر هذا في ارتفاع ضغط الدم وتسارع دقات القلب واضطرابات الشهية والطعام والبرود والعجز الجنسي.
وقد تسبب الأصوات القوية جدا الموت، وهي اليوم تسيطر على حياتنا، فخسر الإنسان السكوت الذي يسمح له بتأمين الفراغ حول الأذن الخارجية، فالصمت هو الرنة الأساسية الذي تصب فيه كل الأصوات والرنات الأخرى.
التقنية والإنسان والصوت
غيّر التقدم العلمي من حياة الإنسان، وقد توصل المعلوماتية إلى تحليل الصوت وفهمه، فكل شيء في الطبيعة له ذبذبة، وهذه الموجات لها أهمية كبرى في فهم الكهرباء والصوت والمغناطيسية والاتصالات والأقمار الصناعية والإذاعة والتلفزيون، وفي الطب في فحص التركيبة الداخلية لجسم الإنسان، وفي الأمن والبحث الجنائي.
وكل هذه التقنية ألغت النشاط الفيزوبولوجي للإنسان، وتجاهل المجتمع المعاصر حاجات الروح والنفس ولذة الجهد المبذول، وظهرت أزمات جديدة مثل ضغوط العمل مما يخل بالتوازن النفسي.
وربما يفسر هذا الموجة العالمية في التوجه نحو الدين والتصوف والرياضة الروحية وإعادة إحياء الثقافات الأصلية التي تعرضت لاحتقار وإبادة.
عودة نحو التوحيد
يسمح علم الصوت بربط عناصر الكائن المختلفة بما يحيط به، وقد كان اليونانيون والمصريون والعرب المسلمون يربطون بين العلم والطب والفلسفة، والفن والدين، فالفصل بين الفنون والتكنولوجيا ناتج عن خطأ فكري دفع الإنسان ثمنه.
فالإفراط في التخصص والفيض في المعلومات يجعلان التواصل بين فروع العلوم المتناظمة صعبا، ويغرقان الباحثين في التفاصيل، ويبعدانهم عن الرؤية الشاملة للأمور، فالعقل لا يعرف سوى الوقائع، فيقود إلى رؤية مجتزأة للإنسان أحادية الجانب، ولكن هذه الأحادية تتلاشى عندما يظهر الصوت في وعي الإنسان، الصوت الداخلي المرتبط بالكوني الكلي.
وقد اكتشفت مويجات هي أصوات مركبة خفيفة الكثافة ساعدت في معرفة طبيعة باطن الأرض، وقد تساعد نظريات تحليل الصوت في فهم الإنسان وإدراك ما يرى وما لا يرى في الكائن البشري. وستكون علوم الغد حدسية، وقد كانت حتى اليوم اختبارية تعتمد أساسا على التحليل، ولكن قد يتجه العلم إلى التركيبية بدلا من التحليلية والتفكيكية.
الرنة جوهر الكون
علم الصوت ليس سرا خفيا، والصوت أداة مؤلفة من مادة حية غنية ومتغيرة مثل الحياة نفسها، وهي أكثر الأدوات تعقيدا لأنها جزء لا يتجزأ من الكائن، فالصوت هو جوهر رصيد الإنسان.
عندما نتنفس نمتص مع الهواء الطاقة التي هي الأجسام العليا الكونية التي في مقدورها أن تكون داخلية أو خارجية، فالتي تبقى في الجسم تشكل الصوت الداخلي، والتي تخرج من الجسم تشكل الصوت الخارجي يسمح علم الصوت بربط عناصر الكائن المختلفة بما يحيط به، وقد كان اليونانيون والمصريون والعرب المسلمون يربطون بين العلم والطب والفلسفة، والفن والدين، فالفصل بين الفنون والتكنولوجيا ناتج عن خطأ فكري دفع الإنسان ثمنه
الأصوات ونحن جزء من هذا الكون، والكون مجموعة رنات، وقد نحتاج أحيانا إلى أن نتخلص من عقولنا لنفهم الكون ونشد أنفسنا إلى ذواتنا وأصولنا ونكتشف سعادتنا وشقاءنا، وننسى مشاكل الحياة اليومية وسجون الحياة النفسية التي أقمناها طوال حياتنا وحولها، وقد يلجأ الإنسان أحيانا للوصول إلى مثل هذه الحالة إلى المخدرات والكحول والتدخين.
ويتيح العلاج بالصوت اكتشاف عالم السماع والتنفس والاسترخاء والتزامن والإيقاع والصوت الداخلي والخارجي والرنة والتواصل والضحك والمكان.
والنفَس يهيمن على حياة الإنسان، فهو متى توقف عن التنفس يتوقف عن الحياة والوجود، وعندما يكون النفس شهيقا فهو أجسام عليا، وعندما يدخل جسم الإنسان فهو في الأساس رنة تصبح صوتا، ومتى سار داخل الجسم يصبح صوتا داخليا ويبقى هذا الصوت داخليا، وقد تفصح عنه حركة اليدين أو أي تعبير جسدي آخر.
العلاج بالصوت
ترتكز محاور تطبيق علاج الصوت وتوجيهاته على الآتي: التواصل بطريقة أفضل مع الآخرين ومع البيئة المحيطة بواسطة الصوت، واكتشاف الجسد وتحسسه ورنينه، وتخطيه بتوحيده مع الكون، مع الرنة الكبرى بواسطة الصوت، وقد ابتكرت المؤلفة أشرطة للعلاج الصوتي فيها إيقاعات وموسيقى وأنغام بصوتها هي ركيزة لتمارين توقظ التنفس الغريزي، وتزامن الصوت الداخلي مع الصوت الخارجي، وتعيد الكائن إلى حالة الصفر.
وتتناول جلسات العلاج الصوتي المظاهر المختلفة للتواصل الشفهي، والأوجه المختلفة للتواصل عامة بهدف الذهاب أبعد من الكلمة والنظرة لفهم حقيقة جوهر الآخر والوصول إليها، والاستماع إلى رنات الجسد في كل تفاصيلها لتوحيده ولاكتشاف رنين الكائنات البشرية الأخرى والبيئة المحيطة بالإنسان كي نتعايش معها بطريقة أفضل.
يجب الاستماع أولا والفهم ثم تنسيق المعطيات وتنظيم التعابير والمواقف لتتكيف مع من يحاورنا، واكتشاف الجسد بالاسترخاء والتنفس بواسطة الحجاب الحاجز والتحرر والانفتاح والتواصل والكلام والرقص وذرف الدموع.
عندما نتنفس نمتص مع الهواء الطاقة التي هي الأجسام العليا الكونية التي في مقدورها أن تكون داخلية أو خارجية، فالتي تبقى في الجسم تشكل الصوت الداخلي، والتي تخرج من الجسم تشكل الصوت الخارجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق