انطلاقا من التطورات الراهنة في العلوم والتكنولوجيا، نستطيع أن نرى صورة لمستقبل مشرق يمكن للبشرية أن تخلقه لنفسها: فسوف يأتي اليوم لتترابط فيه البشرية جمعاء بشبكة عملاقة تعتمد على مجموعة كبيرة من الأقمار الصناعية الصغيرة للإيصالات، تعمل بموجات الراديو وأشعة الليزر، بحيث تكون كل بقعة من الأرض على اتصال بأحد الأقمار في كل لحظة؛ وستتوفر الكهرباء في المناطق النائية بفضل مزارع مُهندسة وراثيا لتحويل ضوء الشمس إلى خام كربوني ثم إلى تيار، ويمكن حينها تشغيل كل الأجهزة والمرافق - بما فيها أجهزة الاتصال - عبر الأقمار الصناعية والإنترنت!
إحدى أهم التطورات الأولى التي سوف تنبثق عن ثورة الهندسة الوراثية هي تكنولوجيا الفيروسات الاصطناعية. إذ صار بالإمكان (تقريبا) اليوم تصميم وتصنيع فيروسات تدخل الخلايا وتغيّر أو توقف عمليات حيوية محددة، وبالتالي القضاء على داء معيّن أو إحداث تغييرات في صفات فرد ما. ويأمل الباحثون البيولوجيون أن يتم التوصل إلى صنع فيروس قادر على التعرف على الخلايا السرطانية والدخول إليها للقضاء عليها أو توقيف تكاثرها، إلى جانب تطبيقات طبية عديدة أخرى. وهكذا سيسمح الفيروس الإصطناعي باستبدال أدوات الجرّاح القاطعة وعقاقير العلاج الكيميائي المزعجة بعنصر أذكى وأدق وأقل ضررا من حيث الآثار الجانبية.
وعلى صعيد آخر نجد كثيرا من الأمراض البشرية سببها فقد البروتينات التي ينتجها الجسم في الأحوال العادية. ولا نستطيع استخراج هذه البروتينات بكميات كافية من الدم أو من الجثث البشرية، ولكنه بإمكاننا نقل جين بشري معيّن إلى حيوان محدد (بقرة مثلا) بحيث يقوم هذا الأخير بإفراز وإنتاج كميات مناسبة في الحليب، ثم يبقى علينا استخراج البروتين المطلوب من الحليب وهو شيء ممكن وسهل بالتكنولوجيا الحالية، رغم كونه مكلّف جدا ويتم بكفاءة محدودة، مما يجعل هذه البروتينات نادرة حاليا. ولذلك نجد علماء البيولوجيا والوراثة يفكرون جديا في مبدأ استنساخ البقرة الحاملة للجين البشري، بحيث لا نحتاج إلى عملية نقل ذلك الجين من البشر إلى الحيوان (العملية المكلفة) إلا مرة واحدة.
ولذلك يعتبر مشروع "الشفرة الوراثية البشرية"، الجاري حاليا والذي اقترب من النهاية، مشروعا ذا أهمية فائقة، بالنسبة للبيولوجيا إن لم يكن للبشرية ومستقبلها.
يمكن لنظام طاقة شمسي أن يحسّن نمط المعيشة في قرية فقيرة بشكل جذري، ذلك لأن قدرة طاقوية بسيطة بمستوى 30 أو 50 واط تشغل بضعة مصابيح من نوع النيون وجهاز استقبال راديو أو تلفزيون أبيض وأسود لعدة ساعات كل ليلة. وهذا يسمح للأطفال في بيوت القرية أن يدرسوا ويذاكروا في المساء وللقرية أن تكون على اتصال بباقي العالم. طبعا لا يمكن لـ50 واط من الطاقة أن تسيّر اقتصاد قرية مهما كان بسيطا، وهذا يعني أن قرية أو منطقة نائية ما لا يمكنها أن تعيش بشكل مقبول (بتعاريفنا اليوم) إلا إذا توفرت كميات أكبر بكثير من الطاقة. فهل هذا ممكن بالطاقة الشمسية؟
إن إنتاج نباتات جديدة تستطيع تحويل الطاقة الضوئية إلى خامات كربونية قابلة للحرق، بحيث تكون كفاءتها جيدة، بنحو 10% على الأقل، أي أحسن من الأغلبية الساحقة من اللوحات الشمسية. والسبيل إلى إنتاج مثل هذه النباتات الممتازة هوالهندسية الوراثية طبعا!..
وهكذا تكتمل الصورة للمستقبل المشرق الذي يمكن للبشرية أن تخلقه لنفسها، فسوف يأتي يوم تترابط فيه البشرية جمعاء بشبكة عملاقة تعتمد على مجموعة كبيرة من الأقمار الصناعية الصغيرة للإيصالات تعمل بموجات الراديو وأشعة الليزر، بحيث تكون كل بقعة من الأرض على اتصال بأحد الأقمار في كل لحظة. وستتوفر الكهرباء في المناطق النائية بفضل مزارع مهندسة وراثيا لتحويل ضوء الشمس إلى خام كربوني ثم إلى تيار، ويمكن حينها تشغيل كل الأجهزة والمرافق - بما فيها أجهزة الاتصال - عبر الأقمار الصناعية والإنترنت!
في ذلك اليوم ستشرق الشمس على أرض موحدة ومتعادلة، لا فرق فيها بين الشمال والجنوب ولا الشرق والغرب... وسوف تأتينا أكبر التطورات والمفاجآت في حياتنا من الإنترنت والهندسة الوراثية - خاصة بعد فك الشفرة البشرية - وليس من الشمس أو الفضاء.
إن استنساخ الشاة "دوللي" وهزيمة غاري كسباروف (بطل العالم للشطرنج) أمام كمبيوتر، إي تفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري لأول مرة.
رؤية آفاق الاستنساخ البشري تتيح إمكانيات ونتائج هائلة وخارقة، بعضها إيجابي، وبعضها الآخر جد خطير على المستوى الإجتماعي والحضاري. فسوف يكون بوسع الآباء والأمهات قريبا إمكانية استخدام تكنولوجيا الاستنساخ وهندسة الوراثة لتعويض جينات محددة لأطفالهم قبل "تكوينهم"، وهذا سيغيّر قدرات الأطفال الجسدية والعقلية، بحيث يُحمَون من أمراض وأعراض معيّنة ويُسلّحون بقدرات أخرى تُسهّل لهم الحياة وترفعهم بالنسبة لمن حولهم!.. ولكن هذه التكنولوجيا، في العقود الأولى على الأقل، ستكون باهضة الثمن على الأغلب، وهذا سيؤدي إلى توسيع الفارق بين طبقتي البشرية: "الغنية أو المطعّمة جينيا" و "الطبيعية". ولا شك أن هذا سيدفع بالبشرية إلى التقسيم القديم: سادة وعبيد – اللهم إلا إذا جُعلت هذه التكنولوجيا في متناول الجميع، وهذا غير متوقع!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق