أمراض النظر والسمع
يُظهِر قصرُ البصر على المستوى الجسمي الذاتية الشديدة. بيد أن غايته معرفة الذات: فالمعرفة الحقيقية للذات تُخرِجنا حتمًا من الذاتية الخاصة. فما الذي لا يريد المرءُ أن يراه ؟ الجواب دومًا هو: ذاته نفسها!
التشخيص القزحي iridology يستخدم العينين كمرآة للجسم : ففي الإمكان رؤية طبع الإنسان وبنية شخصيته في عينيه أيضًا.
التهاب الملتحمة، مثله مثل كلِّ مرض التهابي، يكشف صراعًا. ويؤدي الالتهاب إلى آلام في العينين لا تخف إلا بإغماضهما.
الإنسان الأحول هو أعور في الحقيقة؛ ذلك أن الدماغ يقمع صورة إحدى العينين، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان رؤية الأبعاد، وبالتالي، إلى نظرة أحادية الجانب إلى العالم.
مَن يعاني من أمراض العيون ومشكلاتها ، عليه أولاً أن يخلع نظارتيه أو عدستيه اللاصقتين ليوم واحد ، حتى يعيش في وعي الظرف الحياتي الفعلي. يُنصَح لك بتدوين محضر خلال هذا اليوم تتناقش فيه مع نفسَك حول الطريقة التي كنت ترى بها العالم وتعيشه ، ما تستطيع وما لا تستطيع ، ليُمِدَّك ذلك بمادة كافية للتعرف إلى رؤية العالم ونفسك. وعليك الإجابة عما يلي :
ما الذي لا أريد أن أراه ؟
هل توصد ذاتي البابَ دون معرفتي لذاتي ؟
هل تفوتني معرفة ذاتي فيما يحدث؟
هل أستفيد من بصري في سبيل تنمية بصيرتي؟
هل أخاف من رؤية الأشياء على حدَّتها ؟
هل في مكنتي تحويل رؤية الأشياء كما هي ؟
أي مجال من مجالات وجودي ينفر منه بصري؟
القدرة على السمع تعبير جسمي عن الطاعة والخضوع :
الأصم أو ضعيف السمع لا يريد الطاعة. وعندما لا يعود المرء يسمح لشيء بالدخول فهذا دليل على شيء من الأنانية. لذلك فإن أكثر التهابات الأذن وآلامها عند الأطفال تحدث في السن الذي يجب على الأطفال فيها تعلُّم الطاعة. والمسن غالبًا ما يفقد المرونة والقدرة على التكيف ويتناقص استعدادُه للطاعة باستمرار. ومَن يعاني من مشكلات سمعية عليه أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية: لماذا أنا غير مستعد للإصغاء إلى أحدهم؟ مَن الذي وما الذي لا أريد أن أطيعه؟ هل ثمة توازُن عندي بين القطبين: الأنانية والخضوع ؟
كل قطب يعيش من وجود القطب المضاد له. فإذا قبضنا على أحد الطورين يختفي الطور الآخر أيضًا. كذا هو التنفس: فهو إيقاع – والإيقاع أساس كلِّ حياة، حيث يتم عن طريق الشهيق إمداد كريات الدم الحمراء بالأكسجين الموجود في الهواء، وفي أثناء الزفير نطلق ثاني أكسيد الكربون.
النَّفَس لا ينتمي لنا ولا نملكه ؛ النَّفَس ليس فينا، بل نحن فيه. عبر التنفس نتصل باستمرار بشيء ما يقع فيما وراء المخلوق، فيما يتعدى الشكل والصورة، حيث نحيا في رحم كبيرة مترامية الأطراف تتجاوز وجودنا المحدود: إنها الحياة، ذلك السر العظيم الذي يعجز المرء عن تفسيره أو التعريف به؛ إذ لا يمكن لنا إلا أن نعيشه ونختبره وحسب، وذلك بأن ننفتح عليه وندعه يسري في كياننا ويتخلَّله. النَّفَس هو الحبل السري الذي تسيل من خلاله الحياة إلينا؛ وهو يحرص على أن نبقى في هذا الاتصال. إنه يقي الإنسان من الانعزال والانغلاق الناجم عن مناعة الأنا وعدم قابليتها للاختراق، لندرك أننا نستنشق الهواء ذاته الذي يستنشقه عدونا ويزفره. فالنَّفَس يربطنا باستمرار مع كلِّ شيء. لهذا تتمتع رئتانا بسطح داخليٍّ تقدَّر مساحته بسبعين مترًا مربعًا، في حين لا تتجاوز مساحة سطح جلدنا مترًا ونصف إلى مترين مربعين.
في الأمراض التي لها علاقة بالتنفس ينبغي على المرء أن يسأل نفسه ما يلي : ما الذي لا أريد أن أتقبله؟ ما الذي لا أريد أن أتصل به؟ هل أخشى القيام بخطوة نحو حرية جديدة؟ ما الذي لا أريد أن أعطيه أو أتخلَّى عنه؟ ما الذي يكتم أنفاسي؟
الربو القصبي هو ضيق في التنفس يتظاهر بهجمات تترافق بزفير صفيري مميز ناجم عن تضيُّق في القصبات والقصيبات بسبب تشنُّج العضلات الملساء وإثارة التهابية في الطرق التنفسية وتورم وإفراز مفرط في الغشاء المخاطي. والمصاب بالربو يصارع لاستنشاق الهواء ويتنفس لاهثًا، حيث يكون الزفير مخنوقًا. فهو يأخذ الشهيق كاملاً، فيحصل فرط انتفاخ في الرئة، يليه، بالتالي، تشنجٌ زفيري. وتيار التنفس ينقطع عند المصاب بالربو، وذلك حصرًا لأنه يفكر أكثر مما ينبغي في الأخذ، ويحمِّل نفسه في هذا ما لا طاقة لها عليه.
تتواصل رغبةُ الانغلاق عند المصاب بالربو إلى أن ينتهي بالموت.
وفي إمكان المرء أن يثير غيظ المصاب بشدة بالإشارة إلى أن ربوه ليس خطرًا على حياته وأنه لا يمكن أن يموت منه أبدًا؛ فالمريض بالربو يعلق أهمية كبيرة على خطورة مرضه على حياته. وعند مريض الربو ادعاءٌ شديد بالسيادة، لكنه لا يقر به؛ ولذلك يهبط هذا إلى الجسم، ليظهر عندئذٍ في انتفاخ المصاب بالربو أو غطرسته؛ إذ يحلو له أن يهرب إلى ما هو فكري وشكلي. لكنه إذا ما جوبه بادعاء شخص آخر القوةَ والسيادة يسري الفزعُ في رئتيه، وينعقد لسانُه، ويخونه الكلام (الذي يتشكل من هواء الزفير تحديدًا)، فيغدو عاجزًا عن الزفير ويفتقد الهواء.
المصاب بالربو إنسان يتوق إلى الحب، ولكنه عاجز عن منح الحب – يدل على ذلك الزفير المعرقَل. وله وصفة شافية واحدة: هي أن يعي ويصدق مع ذاته دون هوادة. وتتم معالجته ببوله (حقن عضلية)، مما يرغمه على استعادة ما كان قد طَرَحَه (الوسخ والقذارة الخاصة)، ويجبره على التحاور معه ودمجه – وهذا يشفيه.
الأسئلة الواجب على المريض الإجابة عنها هي : في أيِّ المجالات أريد الأخذ دون عطاء؟ هل يمكن لي الاعتراف بعدواني اعترافًا واعيًا؟ ما هي الإمكانات المتاحة لي لإظهاره؟ كيف أتعاطي مع الصراع؟ ما هي المجالات التي أحط من شأنها وأصدُّها؟ هل في إمكاني الشعور بشيء من الخوف والقلق المتواري خلف منظومتي القِيَمية الشخصية؟ ما هي المجالات الحيوية التي أحاول تجنبها؟ وأي منها أعده منحطًّا ودنيئًا؟ ولا تنسَ: حينما يغدو الضيق محسوسًا فهو القلق والخوف. والوسيلة الوحيدة ضد القلق هي الامتداد والاتساع؛ ولا يتم هذا إلا عن طريق السماح بدخول العنصر المتجنَّب.
الزكام : يظهر الزكام دائمًا في الأوضاع المتأزمة التي يصل فيها الأمر حتى الأنف أو التي تزكم الأنف. والأوضاع المتأزمة هي الأوضاع والظروف اليومية الكثيرة غير الخارقة، لكن الهامة بنظر النفس، التي نشعر بها كفرط إجهاد ونفتش من جرائها عن مبرِّر شرعي كي ننسحب أو نتوارى قليلاً، لأن الوضع يثقل على كاهلنا.
كلمة "التهاب" تتضمن الشرارة الملتهبة التي يمكن لها أن تفجِّر برميل بارود! كل إنتان هو صراع أضحى ماديًّا: فالعراك المتجنَّب في النفس يغتصب مشروعيَّته على مستوى الجسم ويتبدى كالتهاب. الميالون إلى الإصابة بالالتهابات يحاولون تجنب الصراعات. وفي الإصابة الإنتانية ينبغي على المرء أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية: أي صراع في حياتي لا أراه؟ أي صراع أتجنبه وأتهرب منه؟ أي صراع أتجاهله ولا أقرُّ به؟ وللعثور على موضع الصراع ينبغي على المرء أن يتبين في دقة رمزية العضو أو الجزء المصاب من الجسم.
فالتهاب القولون القرحي، مثلاً، عبارة عن التهاب معي غليظ مزمن ذي بداية حادة، يترافق بآلام بطنية وإسهالات مخاطية مدماة، حيث يخسر الدمَ والمخاطَ مَن يخاف من تحقيق حياته الخاصة التي تتطلب تأسيس موقع خاص تجاه الآخر وبناءه.
الدم يرمز إلى الحياة. إنه الحامل المادي للحياة وتعبير عن الفردية. هو عصارة خاصة جدًّا؛ وكل قطرة منه تحتوي على الإنسان بأكمله. أما القلب فرمز إلى مركز الإنسان الذي لا يوجِّهه العقل ولا الإرادة.
ضغط الدم تعبير عن ديناميَّة الإنسان. وهو ينشأ عن التأثير المتبادل بين سلوك الدم السائل وسلوك جدران الأوعية الواضعة للحدود. ارتفاع ضغط الدم المشروط بالسن يترافق مع تكلُّس في جدران الأوعية الدموية. والإنسان ذو الضغط الدموي المنخفض لا يتعدى هذه الحدود إطلاقًا ولا يحاول فرض نفسه أبدًا، بل يتجنب كلَّ مقاومة. وهو لا ينحاز إلى رأي معيَّن، بمعنى أنه ينأى عن تحمل المسؤولية. وعادة ما يتظاهر انخفاضُ ضغط الدم في صورة افتقار الدم إلى عنصر الحديد.
ارتفاع تواتر النبض وضغط الدم لا يحدث عند تزايد الجهد البدني فقط، وإنما بمجرد تصوره سلفًا. فعندما يشتد الدوران الدموي من خلال التصور المستمر لإنجاز ما، لكنْ دون تحويل هذا الإنجاز في وقت ما وتفريغه في نشاط حركي، يحدث ضغط دائم. ويحافظ جهاز الدوران على هذه الإثارة الدائمة بانتظار التحويل إلى فعل؛ فإذا افتُقد هذا التحويل فإن المريض يقع تحت الضغط.
هكذا نرى أن صاحبَي الضغط الدموي المرتفع والمنخفض كلاهما يتجنب الصراعات القائمة – كل منهما بتكتيك مختلف. ونجد انخفاض ضغط الدم أكثر مصادفةً عند النساء، بينما نجد الارتفاع أشيع عند الرجال. وارتفاع الضغط الدموي يمثل شرطًا مؤاتيًا لاحتشاء القلب.
نبض القلب إيقاع صارم التناغم والانتظام. وعندما يضطرب الإيقاع arrhythmia أو يتسارع tachycardia فجأة، فيما يُسمَّى باضطرابات النَّظْم القلبي، يتجلَّى في ذلك خرقٌ للنظام، أو بالأحرى، انحراف عن السواء المعياري. القلب يدق في جنون لأن الإنسان لا يجرؤ على ترك الانفعالات تهزه في جنون. فهو يمتثل لعقله ويلتزم بالقواعد، ويكون غير مستعد لأن تُخرِجه المشاعرُ والانفعالات عن روتينه المعتاد. من هنا فإن الأعراض القلبية تجبر الإنسان على الإصغاء إلى قلبه ثانية.
صاحب القلب الضيق ضحيةُ قوى أناه ورغباتها السلطوية.
يتراكم الدم في أوردة الساق السطحية، فلا يعود إلى القلب بصورة كافية، ويعبِّر عن شيء من الكسل والخمول والتثاقل، حيث يفتقد المرء التوثب والمرونة. أما الخثار (الجلطة) فهو انسداد أحد الأوردة بخثرة دموية. فإذا أمسى الإنسان خَمولاً، متثاقل الوعي، و"تخثرت" آراؤه إلى أحكام جاهزة جامدة، سرعان ما يتخثر في الجسم أيضًا ما يُفترَض فيه في الواقع أن يكون سائلاً. وملازمة الفراش تزيد من خطر حدوث الخثار.
والأسئلة في هذه الحالة هي: هل هناك توازُن متناغم لديَّ بين الرأس والقلب، بين العقل والشعور؟ هل أفسح لمشاعري مجالاً كافيًا وأجرؤ على إظهارها؟ هل أعيش وأحب من كلِّ قلبي أو من "نصف قلبي"؟ هل تقوم حياتي على نُظُم حية؟ أم أنني أحشرها في إيقاع جامد؟ ألا تزال توجد في حياتي مادة مشتعلة ومادة متفجرة؟ هل أصغي إلى قلبي حقًّا؟
ينتمي الهضم إلى عنصر الأرض، فيما التنفس يسيطر عليه عنصر الهواء.
مريض المعدة يفتقد القدرة على التعامل مع غيظه وانزعاجه وعدوانه تعاملاً واعيًا، وبالتالي، مع حلِّ الصراعات والمشكلات على مسؤوليته الخاصة. فهو لا يريد مواجهة أيِّ صراع؛ ومعدته تريد طعامًا "مهروسًا"! إن عدم توجيه المشاعر والعدوان نحو الخارج، بل نحو الداخل، نحو الذات نفسها، يؤدي في النتيجة إلى قرحة المعدة. يجب على مريض المعدة أن يتعلم وعيَ مشاعره ومعالجة الصراعات وهضم الانطباعات هضمًا واعيًا.
المعي الدقيق يوافق الفكر التحليلي الواعي؛ أما المعي الغليظ فيوافق اللاوعي. واللاوعي يعني مملكة الأموات؛ إذ تتواجد فيه المواد التي لم يتمكن الجسم من تحويلها إلى حياة.
مَن يعاني من مشكلات في المعي الدقيق يميل في الغالب إلى الإفراط في التحليل والنقد. والإسهال مؤشِّر إلى إشكالية الخوف: عندما يخاف المرء لا يعود يخصص وقتًا كافيًا للتحاور مع الانطباعات تحليليًّا؛ فهو يدع سائر الانطباعات تعبر إلى الأسفل غير مهضومة. والخوف دومًا يقترن بالضيق وبالتشنج. ومعالجة الخوف تعني الاسترخاء والترك والانبساط والمرونة والرضا. وغالبًا ما تُستوفى معالجة الإسهال في إعطاء المريض كميات كبيرة من السوائل. والإسهال، سواء كان مزمنًا أو حادًّا، يعني الخوف والقلق وإرادة التمسك بشدة بالغة؛ وهو يعلِّمنا الترك والإرخاء والإفراج.
أكثر الاضطرابات التي تصيب المعي الغليظ شيوعًا هي الإمساك؛ وهو تعبير عن عدم الرغبة في العطاء، ويترجم رغبةً في التمسك والبخل. الإمساك يعني الخوف من انكشاف المحتويات المكبوتة؛ وهو محاولة للاحتفاظ بالمحتويات المكبوتة اللاواعية والتكتم عليها.
حيثما يشتهي الإنسانُ شيئًا محددًا ويستطيبه ففي ذلك تعبير عن ألفة محددة تمامًا؛ وهو، بالتالي، شهادة حول هذا الإنسان بالذات. فالجوع رمز إلى رغبة الامتلاك، والإدخال تعبير عن طمع معيَّن؛ من هنا فإن تناوُل الطعام إرضاءٌ لهذه الرغبة عن طريق الدمج، عن طريق الإدخال والإشباع.
الطاقة في الجسم تتوق إلى الجريان؛ وعند منع جريانها يحدث الاحتقان. وإذا طال أمد الاحتقان في الطاقة، دون أن تجد أيَّ مصرف، مالت إلى التماسك والتصلب. فالترسبات والتشكلات الحصوية في الجسم هي دومًا تعبير عن طاقة متخثرة: الحصيات الصفراوية، مثلاً، عدوان متخثر.
المعدة تغتاظ، وذلك بإنتاجها على المستوى المادي سائلاً عدوانيًّا بغية معالجة مشاعر غير مادية وهضمها. من ناحية أخرى، فإن الدفاع هو عدم السماح بالدخول: فالإقياء تعبير كامل عن الدفاع والصدِّ والرفض – وهو عدم قبول. وتتضح هذه العلاقة، مثلاً، في إقياء الحمل المعروف الذي يشير إلى رفض الجنين والأمومة.
هنا ينبغي سؤال النفس ما يلي: ما الذي لا يمكن لي أو لا أريد بلعه؟ هل أكظم في نفسي شيئًا ما؟ كيف أتعامل مع مشاعري؟ وممَّ نفسي حامضة ومزاجي ممتعض؟ وكيف أتعامل مع عدواني؟ وإلى أيِّ حدٍّ أتجنب الصراعات؟ وهل يوجد في داخلي تشوق مكبوت إلى فردوس الطفولة الخالي من الصراعات، حيث لا ألقى سوى المحبة والرعاية دون أن أضطر إلى التغلب على الصعوبات بنفسي؟
أهم وظائف الكبد: تخزين الطاقة، إنتاج الطاقة، استقلاب الزلال (الپروتين)، وإزالة السموم. والكبد المريض يدل على أن الإنسان يتلقى من شيء ما مقدارًا يتجاوز قدرته على الاستيعاب والمعالجة، ويدل على إسراف وعلى رغبات توسعية مغالية و"مُثُل عليا" أعلى مما ينبغي! عملية تركيب الزلال في الكبد هي نسخة كاملة في العالم الأصغر عما نسمِّيه في العالم الأكبر "تطورًا".
يتمتع الكبد بعلاقة رمزية قوية بالمجالات العقائدية والدينية قد يصعب على بعضهم تتبُّع استنباطها. فالدين يبحث عن الصلة الراجعة بالعلَّة الأولى، بالمطلق، بالكلِّ الواحد. ولا يمكن أن يهتدي إلى الطريق الراجع إلا مَن يبصر وَهْمَ الأشكال المختلفة – وهذا هو عمل الكبد.
وأسئلة الكبد هي: في أيِّ المجالات فقدتُ القدرة على التقدير والتقييم الصحيح؟ كيف أميز بين ما هو مفيد وما هو سام بالنسبة لي؟ أين وقعت في التفريط وأين وقعت في الإفراط؟ هل تعنيني الأمور العقائدية والدينية؟ أم أن مشاغلي تحجب بصيرتي؟ هل أفتقد إلى الثقة؟
تقوم المرارة بجمع العصارة الصفراوية التي ينتجها الكبد؛ بينما المثانة هي المجمع الذي تتجمع فيه المواد المطروحة من الكِلية كبول لتتمكن من الانطراح خارج الجسم. جميع المواد التي يتلقاها الجسم تصل في النهاية إلى الدم. وللكليتين دورُ محطة التصفية وتأمين التوازن بين الأحماض والقلويات.
تظهر آلامُ الكِلى عندما يغرق المرء في صراعات مع الشريك. ولا تعني "الشراكة" هنا القضية الجنسية، بل أسلوب مواجهة الآخرين واللقاء بهم. وتبلغ شراكةٌ ما غايتَها عندما لا يعود الشريك في حاجة إلى الآخر، ليتوحدا بالحبِّ الأبدي. فالحب فعل وعي يفتح فيه المرءُ حدودَه لِمَنْ يحب حتى يتوحد معه؛ وهذا لا يحدث قبل أن يتقبل المرءُ في نفسه كلَّ ما يمثله الشريك.
عندما يمس الكِليةَ شيءٌ ما يجب طرح التالي من الأسئلة: ما هي المشكلات التي أعاني منها مع مَن يشاركني؟ هل أميل إلى اعتبار أخطاء شريكي ومشكلاته خاصة به وحده؟ هل يفوتني التعرف إلى نفسي في سلوكيات شريكي؟ هل أتمسك بقِيَمي القديمة دون أخذ التطور بالحسبان؟ ما هي القفزات التي تريد الحصاة في كِليتي أن تدفعني إلى القيام بها ؟
ولأمراض المثانة أسئلة مثل: ما هي المجالات التي أتمسك بها على قِدَمها؟ أين أضع نفسي تحت الضغط فأسقِطُه على الآخرين؟ ما هي المواضيع المستهلَكة التي ينبغي عليَّ التخلِّي عنها؟ ما الذي يُبكيني؟
علاقة التبول في الفراش بالبكاء: كلاهما يخدم في تفريغ ضغط داخلي وتخفيفه عن طريق الترك والإرخاء. من هنا يمكن وصف التبول في الفراش بأنه "بكاء سفلي".
كلُّ اضطراب في أحد أعضائنا الداخلية يتم إسقاطه على الجلد؛ وكل تنبيه لمساحة جلدية موافِقة يتم نقله نحو الداخل إلى العضو. وراء جلد شديد الحساسية تكمن نفسٌ حساسة للغاية، في حين يُستدَل من الجلد القاسي على نفس منيعة لا يؤثر فيها شيء، ويكشف لنا الجلد المتعرِّق عن ارتباك وقلق، والجلد المحمرُّ يكشف الإثارة.
الهوامات fantasies الجنسية التي يخجل منها المرء تطفو لتتبدى كالتهاب على الجلد. وحَبُّ الشباب يحمي المرء ويدافع عنه لأنه يعسِّر كلَّ حركة ويعيق النشاط الجنسي. يصف الكثير من الأطباء حبوب منع الحمل لمعالجة حَبِّ الشباب معالجة ناجحة؛ فهذه الحبوب تتظاهر في الجسم بالحمل (كما لو أن ما يُخشى منه يحدث فعلاً)، فيختفي حَبُّ الشباب، إذ لا يعود له من مبرِّر. الطفح الجلدي يبين دومًا أن شيئًا ما محجوزًا يود أن يخترق حدود القمع كي يخرج إلى النور–الوعي. يشتد حَبُّ الشباب ويتفاقم كلما أكثر المرء من سَتْر الجلد، بينما يمثل خلع الملابس خطوة انفتاح، حيث تقوم الشمس بطريقة آمنة مقام دفء الجسم الآخر وحرارته (المتاق إليها والمرهوبة في آن معًا). يستتبع كلُّ مرض طفولة غالبًا خطوةً تطوريةً هامة؛ وكلما كان الطفح الجلدي أشد كان سير مرض الطفولة أسرع والاختراق موفقًا
.
يبين لي الأُكال أو الهرش أن شيئًا ما يتأكَّلني أو يهرشني على الصعيد النفسي. فوراء الأُكال تكمن شهوةٌ ما، نارٌ داخلية، ولعٌ يتشوق إلى الخروج، يريد أن يُكتشَف.
ويشي ضعف النسيج الضام عند الإنسان بنقص في الدعم والتماسك، ميل إلى اللين والإذعان، ونقص في التوثب الداخلي؛ ويكون المعانون منه عادةً معطوبين وسريعي التأذي ولوامين نوعًا ما. وتتبدى هذه الصفة في الجسم في بقع زرقاء تظهر عند هؤلاء الأشخاص على الفور لدى أخف صدمة.
داء الصدف لا يريد السماح بدخول أيِّ شيء أو بخروجه. فوراء كلِّ نوع من الدفاع يكمن الخوف من الإصابة بجروح. وكلما اشتد دفاعُ شخص ما، كانت درعُه الواقية أسمك وحساسيته الداخلية وخوفه من الأذية أكبر.
في مشكلات الجلد تُطرَح أسئلة من نحو: هل أحدُّ نفسي أكثر مما ينبغي؟ كيف هي قدرتي على الاتصال والتواصل؟ هل تكمن وراء موقفي الرافض رغبةٌ مكبوتة في القرب والحميمية؟ ما الذي يطلب فيَّ اختراقَ الحدود كي يظهر في النور (جنس، غريزة، شهوة، عدوان، ولع)؟ ما الذي يتأكَّلني في الحقيقة؟ هل ابتعدت ودفعت بنفسي إلى الانعزال؟
الوضعية التي يقف بها المرء في موقفه الذاتي هي الوسط؛ ونقع عليها في تمارين الـتاي تشي الصينية. وضعية الجسم المنتصبة تجبر الإنسان على الثبات في وجه الاستحقاقات والتحديات وعلى النظر إليها مباشرة نظرة مستقيمة. أما إشاحة المرء برأسه فهي تشير إلى تجنب المواجهة. من هنا يمكن لنا التعرف فورًا إلى وضعية الإنسان التي لا تتطابق مع ماهيته على أنها وضعية غير طبيعية. فإذا أرغم المرضُ الإنسانَ على اتخاذ وضعية معينة ما كان ليتخذها طوعًا، فإن هذه الوضعية تدل على وضعية داخلية غير معيشة، تبين لنا ماذا يعترض الإنسان عليه ويحتج. فالظهر المحدب، مثلاً، يَتَمَظْهَر في خضوع غير معيش
.
الروماتيزم مفهوم جامع لمجموعة من الأعراض الناجمة عن تغيرات نسيجية مؤلمة تتظاهر قبل كل شيء في المفاصل والعضلات. تظهر الشكاوى المفصلية والعضلية على أشدها إثر أوقات الراحة، وتتحسن عندما يحرك المريض مفصله. وتصاب المفاصل عادةً إصابةً متناظرة.
مَن يحتمل أعباءً أكثر مما يطيق، ولا يعي ذلك، يشعر بالضغط في جسمه على شكل آلام قرصية. المفصل المتيبس والمتصلب يدل أن المريض متصلب ومتشبث بشيء ما؛ وصلابة الفقرة تشي لنا بصلابة صاحبها وعناده. ونكاد نجد في سوابق مرضى الروماتيزم نشاطًا وحركية مفرطين في الشدة؛ إذ هُم شديدو التضحية بأنفسهم في سبيل الآخرين. ويظل التهاب المفاصل يحاصر مرضاه بالتصلب والتيبس كي يجبرهم على الراحة النهائية. طبع مرضى المفاصل الإفراط في التدقيق والنزوع إلى الكمال وملامح اكتئابية، مع حاجة شديدة إلى التضحية من أجل الآخرين، مقرونةً بسلوك أخلاقي مبالَغ فيه وميل إلى تعكر المزاج.
السكَّري :
لا يستطيع تلقِّي الحب إلا مَن يقدر على منحه : فمَن لا يدع نفسه تعبِّر بما يكفي يتسرب السكرُ إلى دمه لأنه لم يتعلم كيف يمنح من جانبه هذا الحب
.
حالة عدم تصالُح المرأة مع أنوثتها تشكل خلفية معظم اضطرابات الحيض. فبقدر ما تكون المرأة غير راضية تنشأ اضطرابات الطمث وشكاواه؛ ومَن يؤلمها الحيض يؤلمها كونُها امرأة. الاحتجاج على التسليم في اضطرابات الحيض يحول دون الاسترخاء في الحياة الجنسية أيضًا؛ فمَن تستطيع الاسترخاء في أثناء الرعشة الجنسية تستطيع الاسترخاء في أثناء الطمث أيضًا. فالترك والإرخاء والرضا والسماح للأمور بأخذ مجراها التلقائي مطلوب من الرجل والمرأة على حدٍّ سواء إن هما أرادا اختبار الرعشة في عمق. أما انقطاع الطمث فينبِّه المرأة إلى فقدان القدرة على الإنجاب والتناسل، وبالتالي، إلى فقدان مظهر أنثوي نوعي أيضًا.
تكشف مشكلات الحمل دومًا عن حالة رفض للطفل. وإسقاط الجنين يدل أن المرأة تريد التخلص من الطفل، والغثيان يعني رفضه. التسمم الحَمْلي هو محاولة جسمية لخنق الجنين، حيث تجازف الأم في ذلك بحياتها. والنساء المعرضات لخطر الإصابة بالتسمم الحَمْلي هن مريضات السكري والكِلى وذوات البدانة الشديدة: فمريضات السكري لا يمكنهن تلقي الحب ولا منحه؛ ومريضات الكِلى لديهن مشكلات مع الشراكة؛ والبدينات يُظهِرن بالنهم والشراهة أنهن يحاولن التعويض عن نقص الحبِّ لديهن بالطعام. ومَن لديهن صعوبات في الحب لديهن كذلك صعوبات في الانفتاح من أجل طفل.
جميع المشكلات التي تؤخر الولادة أو تعسِّرها تكشف في النهاية عن محاولة للاحتفاظ بالطفل والامتناع عن تسليمه. وعدم إرضاع الطفل يكشف عن عدم استعداد الأم لتغذية الطفل وحمايته والعناية به عن طريق بذل النفس. وعند الأمهات اللواتي تخلو أثداؤهن من الحليب تكون هذه المشكلة أعمق منها عند اللواتي يدافعن صراحة عن عدم رغبتهن في الإرضاع.
الاضطرار إلى العملية القيصرية تعبير عن خوف المرأة من كونها ضيقة أكثر مما ينبغي، عن خوفها من تمزُّق العجان أو من فقدان جاذبيتها عند الرجل. وإذا لم تحمل المرأة أبدًا على الرغم من رغبتها في الطفل فإن هذا يعني إما وجود رفض لاواعٍي أو أن الرغبة في الطفل يحرِّكها حافز غير صادق. هذا وترمز الأورام في الرحم إلى الحمل: فالمرأة تدع شيئًا ما ينمو في رحمها ليتم استخراجه بعملية جراحية، كما في الولادة. لذا ينبغي أن تكون هذه الأورام العضلية مبرِّرًا لاقتفاء أثر رغبات لاواعية في الحمل.
يجب تشجيع الحوامل على النظر إلى الأشياء الجميلة، والإصغاء إلى الموسيقى المتناغمة والمنسجمة اللحن، والتفكير إيجابيًّا، والجدية، وتجنب المعارضة. فهذا كله يؤثر على الجنين ومستقبله وعلى قواه وميوله العاطفية والعقلية. وفي حال سلبية المسلك تكون العواقب على الطفل سلبية هي الأخرى
.
يكشف عقم الرجل عن الخوف من الارتباط والتقيد بالمسؤولية في حال قدوم الطفل. وكلما تزايدت محاولات الأنا إحداث الرعشة إراديًّا قل الأمل بالنجاح. فمادامت الأنا تريد شيئًا يتعذَّر على المرء بلوغه تنقلب رغبةُ الأنا دومًا إلى عكسها في النهاية: الرغبة في النوم تنتهي إلى الأرق، والرغبة في الفحولة الجنسية تقود إلى العجز الجنسي أو العنانة. فالرجل العاجز جنسيًّا أكثر انسجامًا مع القطب المنفعل، مع دور التابع أو الخاضع؛ إنه رجل يخاف من الإنجاز: فكلما كان ضغط الإنجاز أكبر تضاءل الأملُ في حدوث الانتصاب.
في إمكان المرأة الباردة جنسيًّا مع شريكها معايشة الرعشة كليًّا عن طريق الاستمناء اليدوي. فهي لا تريد السماح بدخول أيِّ شيء أو بخروجه، بل تريد أن تبقى باردة.
في كلِّ إنسان، كما رأينا، يوجد في آن معًا جانب نفسي أنثوي وآخر ذكري؛ وعلى كلِّ إنسان تطوير كلا الجانبين وإظهارهما في نفسه إظهارًا كاملاً.
وراء الصعوبات الجنسية كلها يكمن القلق. وترجح كفةُ القلق بمقدار اعتياد المرء على ضبط النفس. فالنشوة هي فقدان السيطرة، بينما ضبط النفس لا يعني سوى كبت سائر الدوافع غير المرغوب فيها في المجتمع واستبعادها إلى اللاوعي. يُفترَض فيمَن لديه مشكلات جنسية أن يحلَّها على المستوى الجسمي بدلاً من البحث عن سلامته في الهروب. فتوحيد الأضداد على المستوى الأعلى أصعب بكثير
.
السرطان حدثية متمايزة وذكية جدًّا، تشغل الإنسان على المستويات كلِّها بالدرجة نفسها. الخلية السرطانية ليست شيئًا قادمًا من الخارج يهدد العضوية، كالجراثيم والفيروسات والسموم، بل هي خلية وضعت مجمل نشاطها حتى الآن في خدمة العضو؛ فهي، بالتالي، تخدم العضوية بأكملها لكي تكون لها أفضل الفرص في البقاء. لكنها تغيِّر نيَّتها فجأة، فتتخلَّى عن تماهيها مع العضو، وتبدأ في تطوير أهدافها الخاصة وتحقيقها بلا هوادة. فهي لا تعود تتصرف بوصفها خلية في كائن حي متعدد الخلايا، إنما تنكص إلى مراحل وجود سابقة من الناحية التطورية وتتصرف ككائن وحيد الخلية: تنسلخ بغشائها الخلوي عن المجموع، وتأخذ في الانتشار السريع عن طريق نشاط انقسامي فوضوي، ضاربة عرض الحائط بكلِّ الحدود المورفولوجية (الارتشاح)، مشيدةً مَعاقِلَها الخاصة في كلِّ مكان. أما المجموع الخلوي الباقي الذي خرجت عنه بسلوكها الشاذ فتستخدمه كمضيف من أجل تغذيتها الخاصة. ويحدث نمو الخلايا السرطانية وتكاثُرها بسرعة تجعل ترويتها الدموية غير كافية؛ ولهذا تتحول من التنفس الهوائي إلى الشكل البدائي للتخمر، حيث يمكن لكلِّ خلية أن تقوم بالتخمر بمفردها. ولا يبلغ هذا الانتشار الناجح جدًّا للخلية السرطانية نهايتَه إلا عند استنزافها. فلا شك أنها سوف تخفق في وقت ما من جراء انقطاع سُبُل الإمداد؛ لكنْ حتى ذلك الحين يبقى سلوكُها مستمرًّا. والسؤال هو: لماذا تقوم الخلية السرطانية بهذا كلِّه؟
كانت هذه الخلية واحدة من بين خلايا كثيرة وَجَبَ عليها إنجاز عمل في سبيل الآخر؛ وقد فعلت ذلك مدة طويلة. ولكن في وقت من الأوقات تفقد العضوية جاذبيتها كإطار لتطور الخلية الخاص. فالكائن الحي وحيد الخلية حرٌّ ومستقل، في وسعه القيام بما يريد، وفي إمكانه أن يخلَد عن طريق تكاثره اللامحدود؛ أما في الكائن عديد الخلايا، فتصير الخلية مستعبَدة وفانية. لذا فإنها تُخضِع التضامن القائم حتى الآن لمصالحها الخاصة، وتشرع في تحقيق حريتها عن طريق انتهاج سلوك لا مبال. فسلوك الخلية السرطانية يظل ناجحًا مادام الإنسان على قيد الحياة كمضيف؛ ونهايته تعني نهاية النمو السرطاني أيضًا. هذا وإن للخلية السرطانية حججًا لا تقل قوة عن حجج الإنسان – سوى أن وجهتَي نظرهما مختلفتان: كلاهما يريد الحياة وتحقيق مصالحه وتصوراته عن الحرية.
متوسط عمر مرضى السرطان غير المعالَجين يبدو أعلى من متوسط عمر المعالَجين. فمرض السرطان تعبير عن عصرنا وعن صورتنا الجماعية عن العالم. لقد توسعت أنظمة اتصالنا وامتدت لتشمل العالم بأسره حقًّا، لكننا لا نزال لا نجيد التواصل مع جارنا أو شريكنا. الإنسان، في عماه وقصر نظره، لا يختلف عن الخلية السرطانية في شيء. من هنا لا حاجة إلى "قهر" السرطان، بل يجب علينا أن نفهمه فقط كي نتعلم فهم أنفسنا أيضًا. فالسرطان فرصتنا الكبرى كي نكتشف عيوب تفكيرنا وأخطائنا الخاصة.
تتميز الخلية السرطانية عن الخلية الجسمية السليمة بالمبالغة في تقدير أناها. لكن الأنا يجب أن تموت كي نتمكن من الولادة الجديدة في الذات. فالتضحية بالشكل لا بدَّ أن تتم للفوز بالمضمون؛ إذ إن العمل العظيم يعني دائمًا التضحية بالأنا. الموت الذي تعمل الخلية السرطانية على إقحام العضوية فيه ينقلب إلى موتها هي أيضًا، مثلما ينطوي موتُ بيئة الأرض على موتنا أيضًا. ومع ذلك تؤمن الخلية السرطانية بخارج منفصل عنها مثلما يؤمن البشر بخارج منفصل عنهم أيضًا – وهذا الاعتقاد داء مميت. أما الدواء فيُدعى الحب.
الحب يشفي لأنه يفتح الحدود ويدع الآخر يدخل من أجل التوحد معه. مَن يحب لا يضع أناه في المرتبة الأولى، بل يحيا كلِّيةً أكبر؛ مَن يحب يشعر بالمحبوب تمامًا كما لو أنه هو نفسه. ومَن لا يحيا هذا الحب في الوعي فهو مهدد بأن يهبط بحبِّه إلى الجسدية ليسعى هناك إلى تحقيق قوانينه الخاصة – كالسرطان تمامًا.
السرطان، إذن، "حب" على المستوى الخاطئ! فالكمال والتوحد لا يمكن تحقيقهما إلا في الوعي، وليس في نطاق المادة؛ إذ إن المادة هي ظل الوعي. السرطان عَرَضٌ للحبِّ المُساء فهمه؛ وهو لا يهاب إلا الحب الحقيقي. ورمز الحب الحقيقي هو القلب. من هنا فإن القلب هو العضو الوحيد الذي لا يصاب بالسرطان.
أما الإيدز فيؤدي إلى انهيار القوى الدفاعية الجسمية. ومدة حضانة فيروس الإيدز طويلة جدًّا؛ فهو بذلك يعتبر عدوًّا غير مرئي تصعب محاربته. وفيروس الإيدز لا يمكن أن ينتقل إلا إذا وصلت خلايا دموية أو حيوانات منوية طازجة إلى الدورة الدموية لشخص آخر مباشرة؛ فخارج العضوية البشرية يموت العامل المُمْرِض. ويحتل اللوطيون حتى اليوم المرتبة الأولى بين الفئات المعرَّضة لخطر العدوى، وذلك لأن الجماع الشرجي يقود إلى جروح في الغشاء المخاطي الحساس للمستقيم؛ وبذلك يمكن للحيوانات المنوية الحاملة للفيروس الوصول إلى الدورة الدموية مباشرة. وقد ظهر الإيدز عندما تمكن اللوطيون في أمريكا من تحسين وضعهم الاجتماعي وشَرْعَنَة ممارساتهم.
الإيدز حالة نهائية للحبِّ الهاوي إلى الظل. والموت، في النهاية، ليس غير شكل جسديٍّ للتعبير عن الحب. والجنس الجسدي المحض ينسحب على جسدية الآخر؛ أما الحب فيغمر نفس الآخر. لذا فإن الجنس والحب ينبغي أن يكونا متوازيين، أي أن يلتزما التوازن.
بين الإيدز والسرطان الكثير من القواسم المشتركة من حيث المضمون. فالسرطان يصيب المريض وحده، وهو غير قابل للانتقال بالعدوى؛ أما الإيدز فيجعلنا نعي إلى حدٍّ كبير أننا لسنا وحدنا في هذا العالم وأن كلَّ عزلة هي انخداع ووهم؛ وبالتالي، فإن الأنا في النهاية وهم. الإيدز يجبرنا في النهاية على تحمل مسؤولية وجودنا.*** *** ***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق